البوابة 24

البوابة 24

المراقبة والعقاب

المراقبة والعقاب1

محمد أحمد سالم

- الغرض من الكتابة النقدية هو إثبات أن الشعب طوال تاريخه، صاحب وعي وإدراك ذاتي، وتنحصر الكتابة في البرهنة على مدى تطور ونمو المجتمع، حتى قبل الاحتلال الصهيوني للبلاد، وأن وراء هذا التطور والنمو توجد دائما ذات فلسطينية أصيلة، هي روح هذا الشعب صاحب فعل وإرادة وعقل .. بوصفه ذاتا، و كينونة أصيلة متفردة. - برغم من ذلك، فبعد تنفيذ مخطط الانقسام الصهيوني؛ اصبحنا نسخة باهتة مبتذلة من احط، و أوسخ النظم الديكتاتورية البائدة!، وفوق البلاء، يفرض الكيان الصهيوني حصارا كاملا و شاملا على قطاع غزة، و خراب وانقسام. ! وكأن الله سلطهم على انفسهم وعلى الناس، فالاحتلال الصهيوني يلجأ إلى اعتماد سياسة "فرق تسد"، ويسعى إلى تقسيم الشعب ، ويشحن كل جماعة على أخرى، ويجير العداء بينها لمصلحته.

- حرث الماء .. وكما قلنا من قبل لا يجب أن يفهم هذا المخطط الصهيوني، والذي يقوم على فرض العقاب الجماعي الحصار- والتسليم التام لشبه سلطتين -فردة وفرض- بدون انتخابات ولا حق الاختيار! فقط باللجوء إلى الاستخدام الوحشي المفرط للقوة، وتقاسم الادوار وإنما هو يبرهن بالأحرى على ما يسميه فوكو في كتابه " المراقبة والمعاقبة" تحول من العقاب الاستعراضي القاتل، إلى العقاب الجماعي، بالوكالة، فلم تكن المثل الانسانية العقلانية التنويرية هي التى أملت هذا التحول، وإنما أملته الحاجه إلى جعل التحكم لشبه سلطات، غير محتملة من جانب الشعب، لآن السلطة لا تكون محتملة إلا إذا أخفت جانبا معتبرا من ذاتها.

- و هنا .. يقرر الموت كعقوبة لا بديل لها، يحوم الموت فوقهم كإمكانية،ضمن العقوبات النفسية والمعنوية، والعقوبات الجسدية عديمة الرحمة في ظل عار السلطات الثلاثة. فتجعل الموت ذاته مفضلا عليهم، وعلى العقوبات الاستبدادية لشعب، ب "سلطتين" واحتلال وحصار وانقسام وخراب. فالعقوبات أمر بفوق القدرة على الاحتمال، والتعريفات الملتبسة، ولذلك تم صناعة سلطتين، لإلهاء وتخويف المواطنين، في سياق من العقوبات الارتجالية الهمجية، ورؤيتها للعقاب، والمعني الجديد للعقاب الذي يتضمنه والذي يمثله مكان للاعتقال قائم بذاته- غزة ونظام الفصل العنصري فى الضفة- فلا شك أنه تم عزل الناس هنا بتعين حرس وخفرا تحت مسمي سلطات.

هذا الواقع دعمه المخطط الصهيوني، بعقوبات أخرى تغرس مجموعها في أذهان الناس، الواقع بأنهم بالفعل في مكان مغلق، معزولين عن العالم الخارجي وحتى الداخلي بالأسوار والحواجز والبوابات،وأيضا بحكم شكلي استعراضي لسلطتين بلا أي وجه قانوني.

- لم تكن هذه الاجراءات الوحشية القاسية، عديمة الاثر، فالمخطط الصهيوني، وقد نجح بلا شك في إبقاء كم كبير من هؤلاء في حالة صمت تام بداخل دائرة الانقسام والوحشية المفرطة، غير ان الاعتماد على القوة المادية وحدها لم يكن بمقدورها ان تضمن أن تترسب تقنيات الهدوء بعمق في اذهان الناس .. أصبحت فاعلية الاستخدام الوحشي للقوة محل تساؤل، واستخدام أنماط أخري مجردة وغير مادية لفرض السيطرة، وترسيخ الاحباط في نفوس الناس وإقامة الحدود والبوابات والحواجز في عقول الناس،وليس فقط حول اجسامهم وحدها.

- المتوارث بالانقسام، و الوجه الآخر للعملة: تدمير القضية الوطنية، واستمرار الانحطاط السياسي. والمهانة والعنف والاستعلاء على الناس، والاستغلال الذي وقع ضحية له الموطن، وهو الذي يقاسي اهوال مخطط الخراب والحصار، والفساد والجبايات المتوحشة، ليخدم مرغما هذا المخطط الجهنمي، كصورة بشعة للحياة اليومية، للمواطن ومستعبدوه.

فلن نسمع صوت المواطن، بل صوت فرد في القاع بين فساد سلطتين، وتحت احتلال وحشي، وسلطات تستدعيه وفقا لأهداف وأفكار ومصالح لا تخصه، بل تعاديه غالبا، فهو الجندي الصامت ومع ذلك صوته حاضر موجود وإن جرت العادة على إهماله، وبين فترة واخري محرقة لكل افراد عائلته، هذا هو المواطن وما فعله موالسة الانقسام بالمواطن وقضيته.

في حقبة الانقسام والظلام والخمول والتدهور على كافة الاصعدة تدهورا وخمولا ثقافيا واجتماعيا، وانقسام سياسيا وجغرافيا جاثما على الحياة السياسية والاجتماعية و الثقافية والاقتصادية.

ومع التسليم بأن العقوبات الوحشية التى تستخدم في هذه الحالة في معاقبة الناس، حاولوا أن يعلنوا العصيان، وترسيخ المفهوم. خوفا من القتل الفوري او الاعتقال والتعذيب، واقله قطع الراتب او الفصل من العمل، فإن الحالة تظل تبين أن نظام الاعتقال في معتقل غزة، والقائم على التهديد من جهات عدة،مع التهديد الفعلي لارتكاب جرائم الحرب الصهيونية, وشبه سلطات حزبية عنصرية، تجعل فكرة الاعتقال ذاتها واستحالة الخروج من هذا الواقع، تنطبع في أذهان جيل وراء جيل، بحيث تمنعهم من التفكير في المستقبل، أو في قضيتهم واستقلال بلدهم، وتوفر أيضا على الكيان الصهيوني اللجوء إلى هذا النوع من القوة الوحشية، اى الوحشية الداخلية بدلا من المحرقة والوحشية الصهيونية.!

وبالمقابل هذا التحول الخطير لا على صعيد الحصار الصهيوني وقسوته، فلكي يحقق مخطط الانقسام الصهيوني الغرض المرجو منه، وهو إشغال الناس والتضيق عليهم في اقل شؤون الحياة، وابسطه الحق في السفر وحرية التنقل، والعمل، ودورة العذاب الجهنمية، وهو الردع، وأن يمتد إلى اطول فترة ممكنة، ليصبح الحصار والخراب والانقسام ديمومة، فإن التعذيب هنا تقنية- ولا يجب أن ينظر له على انه درجة قصوى من الانتقام، فالموت تحت القصف الاجرامي الصهيوني، وتحت الحصار والانقسام، والتعذيب هو فن إمساك الحياة في الالم وذلك بتقسيم الموت إلى ألف موته. وللحديث بقية.

البوابة 24