البوابة 24

البوابة 24

حوار مع الوتر المشدود، أبناء فتح بين الفكر والتنظيم والسياسة

بقلم محمد قاروط

إذا كنت تقرا وتوقفت عند كلمة او جملة او فقرة، ثم أخذت رشفة قهوة او حبة فستق، فأنت غالبا ما تكون في حوار مع الكاتب، او تهيئ مكان في ذاكرتك لتلك الجملة، او تضع احتمالات لكيفية استخدام تلك الكلمة، او وضع الجملة في نظامك المعرفي او سلوكك.

هذا ما يريده الكاتب، أي كاتب، النفاذ إلى وعيك، وجعل ما يكتبه او جزء منه جزء من اتجاهك في الحياة، او قيمك.

الكتابة صلة وصل بين الكاتب والقارئ، إنها امتداد ذات الكاتب إلى القارئ.

 وبما أن الكتابة هي امتداد ذات الكاتب إلى ذات الجماعة، والقارئ فرد من الجماعة، فان القارئ يقبل هذا الامتداد، او يرفضه، او يكون موقفه منه محاديا.

أما إذا كنت تقرا وتوقفت عن القراءة ونهضت من مكانك وبدأت بالمشي، ثم تفحصت أوراقك او كتبك او حاسوبك، فأنت في حوار عميق مع الكاتب.

على قاعدة السبب والنتيجة، فان حضور السبب لا يقتضي بالضرورة حضور النتيجة, القارئ الجيد، ليس بالضرورة أن يصبح كاتبا، وبالضرورة كاتب قارئ. ويولد الكاتب فقط من رحم القراءة.

لا زال هدف القراءة عند كوادر حركة فتح وفي فكرها هو: تمتين الصلابة. 

صلابة الفكرة وصلابة استمرارية العمل، وتحمل المشاق على درب عمل طويل. 

لذلك نقرأ ما يجعلنا نشعر أننا أكثر صلابة فكريا وروحيا وعمليا، بدون فرض الوصاية على ما نقرأه.

 الوصاية على القراءة في الشأن الوطني والحركي واجب، وفي غير ذلك جريمة، لأنها إجبار العضو الحركي على التأثر بما لا يتوافق أحيانا مع طبيعته او ميوله.

أفضل  الكتب قراءة عندي، هو ذلك الذي يجعلني أصل إلى أعماق ذاتي،  وأحاورها، الذات هي محصلة تراكمات من التجربة والخبرة والتربية والبيئة.

وقبل هذا كله أتطلع بشغف  داخل ذاتي للعثور على ما تفتقده أو ما يوافقها او ما يخرج منها المخفي من الجواهر عند القراءة.

 كثيرة هي الكتب التي تأخذ منها ما تفتقده او ما يوافقك، أما الوصول أثناء القراءة إلى مرحلة الاندماج الوجداني مع الكتاب كليا او جزئيا، فهذا يعني دمج ما نقراه في نظامنا المعرفي.

 أما إذا ابتليت بالكتابة فان بعض الكتب التي تقرؤها توقد شغف الكتابة عند قارئها وإذا اشتعل الشغف لا ينطفئ حتى تطفئه الكتابة. 

من الكتب التي قرأتها عام 2019، والتي أثارت شغف الكتابة عندي الوتر المشدود ، وقد كتبت عنه (25) نصا بشكل متفرق بين نص متوسط وقصير.

في هذا الملف نجمع ما كتب عن الوتر المشدود في إصدار واحد بعنوان (حوارات وجدال مع الوتر المشدود-أبناء فتح بين الفكر والتنظيم والسياسة)، وذلك بهدف التعمق والتمكن من محتوياته.

وقبل ذلك لنلقي نظرة على: الحوار والجدال والمناظرة والمناقشة:

أولا: الحوار لغة واصطلاحا:

١ -الحـــوار لغـــة: ورد فـــي القـــاموس المحـــيط : الحـــوار ، او المحـــاورة هـــي مراجعـــة النطـــق، وتحاوروا تراجعوا الكلام بينهم، وفي التبيان : يحاوره يخاطبه، يقال تحـاور الـرجلان إذا رد كـل منهما على صاحبه، والمحـاورة: الخطـاب مـن اثنـين فمـا فـوق، أما فـي مختـار الصـحاح: الحوار المجاوبة، والتحاور التجاوب.

2- الحوار اصطلاحا: هو ضرب من الأدب الرفيع وأسلوب مـن أسـاليبه، فهـو المراجعـة فـي الكــلام ومنــه التحــاور.

 وهــذا يعنــي أن الحــوار هــو مراجعــة فــي الكــلام ولكــن بطريقة مؤدبة، وبألفاظ حسنة فيها نوع من الود والحب.

 

ثانيا: المناظرة لغتا واصطلاحا:

1-المناظرة لغة: التناظر: هو التراوض في الأمر، ونظيرك الذي يراوضك وتناظره، وناظره من المناظرة، والنظيـر المثـل، وفـلان نظيـرك، أي مثلـك والمنـاظرة أن تنـاظر أخـاك فـي أمـر إذا . نظرتما فيه معا كيف تأتيانه.

٢ -المناظرة اصطلاحا:عرفها الجرجاني بقوله : هي النظر بالبصيرة من الجانبين، في النسـبة بين الشيئين إظهارا للصواب. 

 

ويــرى الألمعــي أن المناظرة هــي تــردد الكــلام بــين شخصــين يقصــد كــل واحــد منهمــا تصحيح قوله وإبطال قول صاحبه مع رغبة كل منهما في ظهور الحق.

 وعرفهـا الميـداني بقولـه: هـي المحـاورة بـين فـريقين حـول موضـوع لكـل منهمـا وجهـة نظـرٕ  تخــالف وجهــة نظــر الفريــق الآخــر، فهــو يحــاول إثبــات وجهــة نظــره، وإبطال وجهة نظر خصمه، مع رغبته الصادقة بظهور الحق والاعتراف به لدى ظهوره.

فالمقصود إذا من المناظرة هو الوصـول إلـى الصـواب فـي الموضـوع الـذي اختلفـت أنظـار المتناقشين فيه.

 وهكـذا يتبـين أن المنـاظرة محـاورة مـن أجـل الوصـول إلـى الصـواب، ولهـذا  كان الاشتراط فيها التقارب بين المتناظرين في العلم والفهم .

       ثالثا: الجدل لغة واصطلاحا: 

          ١ -الجــــدل لغــــة: شــــدة الخصـــومة، والجــــدل مقابلـــة الحجــــة بالحجـــة، والمجادلــــة: المنــــاظرة والمخاصمة هو اللدد في الخصومة والقدرة عليهـا، ورجـل جـدل ومجـدل ومجـدال: شـديد الجدل،  يقـال جادلـت الرجـل فجدلتـه جـدل، أي غلبتـه، ورجـل جـدل إذا كـان أقـوى فـي الخصـام وجادلــه أي خاصمه.

 ٢ -الجــدل اصطلاحــا: يـرى الجرجـاني أن الجـدل فـي الاصـطلاح هـو دفـع المـرء خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة، أو يقصد به تصحيح كلامه، وهو الخصومة في الحقيقة. وفـي تعريـف آخـر: عبـارة عـن مـراء يتعلـق بإظهـار المـذاهب وتقريرهـا، الجدل يكون الغرض منه إلزام الخصم والتغلب عليه في مقام الاستدلال.

وقد يكون الجـدل بالحسنى حيث قال تعـالى: وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن  وقـد يكـون بالباطـل، قـال تعـالى: وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ  

ولـذلك قسـم العلمـاء الجــدل إلــى ممــدوح ومــذموم، وذلــك بحســب الغايــة منــه، وبحســب أســلوبه، ومــا يــؤدي إليــه. فالجدل الممدوح هو الـذي يهـدف إلـى إحقـاق الحـق ونصـرته ، ويكـون بأسـلوب صـحيح مناسـب، ويؤدي إلى خيـر، أما الجدل المـذموم فهـو الـذي لا يهـدف إلـى ذلـك ولـم يسـلم أسـلوبه ، ولا يـؤدي إلى خير.

 فالجـدل إذا فـي الاصــطلاح هـو حـوار كلامــي يعـرض فيــه كـل طـرف منهمــا أدلتـه التــي رجحـت لديـه، واستمسـاكه بوجهـة نظـره، ويـتفهم فيـه كـل طـرف مـن الفـريقين المتحـاورين وجهـة نظر الطرف الآخر، و ثم يأخذ بتبصر الحقيقة من خلال الانتقادات التي يوجهها الطـرف الآخـر على أدلته، أو من خلال الأدلة التي ينير له بها بعض النقاط التي كانت غامضة عليه.

  رابعا: النقاش لغتا واصطلاحا:

1- النقاش لغتا: الـنقش فـي اللغـة معنـاه : المحاسـبة والاستقصـاء ومنـه الحـديث: (مـن نـوقش الحسـاب هلـك )، ومعنــاه أيضا الــنقش والنــزع. وقــد جــاء فــي الحــديث: (إذا شــيك فــلا انتفش ) أي فــلا نزعــت منــه الشوكة.

2- أما معنــى المناقشــة فــي الاصــطلاح: هــي نــوع مــن التحــاور بــين شخصــين أو طرفين ولكنهــا تقــوم علــى أســاس استقصــاء الحســاب، وتعريــة الأخطــاء، وإحصائها، ويكون هذا الاستقصاء في العادة لمصلحة احد الطرفين فقط، الذي يستقصي محصيا ومسـتوعبا كـل مـا لـه على الطرف الأخر .

 

الحوار لا يكون إلا بين اثنين او جهتين، ويكون بين الحق والباطل، او بين الخير والشر، ويكون أيضا بين الخير والأكثر خيرا وبين الشر والأكثر شرا. 

أما الجدال فيكون من طرف واحد، ويكون أيضا في الخير او في الشر. 

والحوار تبادل وجهات النظر عن أفكار او أشياء او أفراد ويكون مكتوب او شفهي. ويحدد في الحوار نقاط الاتفاق والاختلاف وكيفية الاستفادة من نقاط الاتفاق وكيفية حل الاختلافات.

         وفي الحوار والجدال في الخير يقول الله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ )، أما في الباطل (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ )، فإذا بعض الناس يجادل في الله بغير علم فما بالك في شؤون الفكر والسياسة وغيرها . 

والحوار والمناظرة يجتمعان في أنهما بين طرفين ولكن باستخدام أكثر للأدلة وغالبا تكون المناظرة علنية أي أمام جمهور وتهدف إلى  إقناع الجمهور عن طريق تقديم الأدلة على صحة موقف احد الطرفين .

ومن المناظرة أيضا ما جاء في سورة طه (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ). 

ولان الإبداع يبدأ مع وجود وسيلة لإيجاد الأفكار، فان الوتر المشدود كان وسيلتنا لذلك.

هذه مقدمة ملف حركي بعنوان  (حوارات وجدال مع الوتر المشدود-أبناء فتح بين الفكر والتنظيم والسياسة)،  صادر عن أكاديمية فتح الفكرية أكاديمية الشهيد عثمان أبو غربية، ولجنة التعبئة والتدريب في مفوضية الثقافة والإعلام والتعبئة الفكرية.

الملف كاملا وكتاب الوتر المشدود للأخ بكر أبو بكر الصادر عن دار الأمين للنشر  تجدونه على مجموعة نحن العاصفة على الفيس بك، وقناة  أكاديمية فتح على تليغرام. 

Htt://t.me/fatahaca

البوابة 24