بقلم: عبد الهادي شلا
كنت على وشك كتابة مقال أو رسم لوحة وأنا أحاول السيطرة على ما يدور في ذهني لا أدري أي الطريقين أسلك كي تخرج الفكرة من صدفتها فلا أنا قادر على الإمساك بها كتابة ولا قادر على اتخاذ القرار بأنها ستكون في أفضل حالاتها رسما.!!
كنت على وشك... ولكن صدمة أكبر من كل حيرتي وضعتني في موقف عرفته ومررت به كثيرا من قبل جعلني أتسمر في مكاني ليتوقف عقلي عن البحث .
تبعثرت أفكاري كما لو أن إعصارا قويا غافلني لينسف كل ما في خاطري لتختلط الصور وتضيع كل ملامحها من أثر الخبر الصادم وما ترك لي خيارا في اتخاذ قرارا وأي الطريقين أسلك. قرأت خبرا عن الأسيرة "خالدة جراح" التي تقبع في سجون الإحتلال وباقي لها شهرين على إطلاق سراحها وأن إبنتها الشابة"سهى" قد إنتقلت إلى رحمة الله. جهات عدة حاولت وبحثت عن أخف السبل في إبلاغ الأسيرة بهذا الخبر المفجع ،والأكثر إيلاما هو أن هذه الجهات العدة حاولت إستصدار تصريح مؤقت لإخراجها لحضور جنازة إبنتها وإلقاء نظرة الوداع الأخير على وجهها،ولكن عبثا محاولاتهم فقد رفضت قوات الإحتلال منحها هذا التصريح المؤقت!! أي ألم يمكن أن يكون قد وقع في قلب هذه الأم الأسيرة البطلة المكلومة وهي تتقبل خبر وفاة إبنتها الشابة،لاشك أنه أكبر من كل احتمال و تصور ؟! أي حزن هذا الذي يتراكم في قلب أم هي واحدة من الأمهات الكثيرات المعتقلات في سجون الإحتلال يمكن أن تصوره الكلمات أو تستحضره الألوان في لوحة جدارية؟!
معلوم أن الشعب الفلسطيني لا يلين وأنه يملك قوة في الصبر والتصدي خبرها طوال سبعين عاما لم يكل ولن يمل عن المطالبة بحقه في الحياة على أرضه وتحمله كل صنوف القهر بما قدم من الشهداء..أطفالا..شبابا..شيوخا..نساءا..و أسرى وأسيرات منهم أطفال ونساء. و أنه ضرب مثلا في تحمل النكسات و مرت به كثير من العثرات و هو في حاجة إلى أيد تتكاتف و إلى جـَلد على تحمل المزيد مما في علم الغيب ليكون الخلاص أبديا متوجًا بعودة وحرية ونصر.
هذه الحالة التي تجلت فيها أكبر صورة للصَلف من محتل قوي تسلط بجبروت على شعب محتل مهما صور البعض أن له قدر من الإمكانيات هي في أصلها مثل سراب يتراءى لعين الظمآن في برية مترامية الأطراف إذا ما وصلها خاب رجاؤه وتحطمت آماله،إنما هي حالة ألفها الشعب الفلسطيني وتأقلم معها ليس لضعف في ذاته وإنما لضعف إمكانياته ومحاصرته والتضييق عليه ومحاولة أن تجعله هذه الإرهاصات شعبا يائسا يرضخ لمتطلبات المرحلة التي لو دققنا في تفاصيلها لرأينا كيف أن كل ما يحيط به وكان عونا له قد تغيرت ملامحه وتغير لونه ولم يعد هناك إلا القليل مما كان عضدا له.
لاشك أن كل صاحب إحساس إنساني يشعر بمثل ما تشعر به هذه السيدة التي حوصرت من كل جانب وزاد عليها عدم قدرتها على أن تودع فلذة كبدها وهي القوية التي لم يعجزها كثرة اعتقالها عن أن تكمل مسيرتها حبا في وطنها وإخلاصا لقضيتها العادلة.