بقلم:د.رياض عواد
يتجلى ضعف الوعي الفلسطيني بأهمية وجود سلطة وطنية تحكمهم وتيسر حياتهم في أمرين:
الاول، لم يعطي المثقفون الفلسطينيون والباحثون جهدا كبيرا لدراسة تجربة حكومة عموم فلسطين والفشل في تكوينها بعد النكبة واسقاطها بعد تشكيلها بعد النكبة.
ان سقوط هذه الحكومة كان السبب الرئيس الذي آلت إليه الأوضاع في القدس والضفة وغزة من الحاق القطاع إداريا بالحكم المصري وشطب الهوية الفلسطينية في الضفة الغريبة وضمها إلى امارة شرق الاردن، أن هذا السقوط باختصار هو السبب في فشل وجود كيان وطني فلسطيني مستقل.
الثاني، استهانة كثير من المثقفين والنشطاء بأمر السلطة الفلسطينية الحالية، والتركيز على نقاط ضعفها والادعاء بفسادها، والتمسك بالشعارات والكلمات الكبيرة دون ربطها بالواقع، وعدم النظر لقيام السلطة واستمرارية وجودها كعملية نضالية طويلة ومعقدة تخضع لعوامل داخلية وخارجية متشابكة ومعقدة. أن النجاح في قيام مثل هذه السلطة غير مضمون دون وعي شروط وجودها وقيامها بعمق وموضوعية ودقة وواقعية،
تشكلت هذه السلطة كما هو معروف للجميع كنتاج لاتفاقية اسلو، هذه الاتفاقية التي تم التوقيع عليها ضمن الشروط والظروف السائدة في تلك اللحظة والتي تلت الخروج من بيروت وتفكك الاتحاد السوفيتي ومشاركة قوات عربية في الحرب على العراق.
دون لف ولا دوران، يخضع قيام واستمرارية وجود هذه السلطة، شئنا أم ابينا، إلى القرار الإسرائيلي والإرادة الدولية، الأمريكية خاصة، والقرار العربي إلى حد ما.
تستطيع الإرادة والنضال والصمود الفلسطيني أن يلعب دورا هاما في هذه العملية المعقدة، ان كانت واعية لهذه الشروط الخارجية وتكييف نفسها وقرارتها بواقعية لتتلائم مع كل هذا الواقع الصعب، دون الخضوع له بالمطلق، لتستطيع أن تقوم بمهمتها الأساسية وهو مواصلة دعم وجود المواطنين على ارضهم، هذا الدعم لا يمكن توفيره محليا وبعيدا عن القرار الإسرائيلي والإرادة الدولية.
أن أي شطط أو خروج عن وعي هذه الشروط سيشجع ويعطي فرصة لكل أعداء السلطة الخارجيين والداخليين للانقضاض عليها وشطبها وانهائها ليكون مصيرها المحتوم هو نفس مصير حكومة عموم فلسطين.
يرى بل يطالب كثير من المثقفين بتعزيز الديمقراطية داخل السلطة وإجراء الانتخابات لان هذا هو حجر الزاوية الرئيسي في تقوية هذه السلطة وفي استمرارية وجودها. طبعا لا يمكن الاختلاف مع هذا الطرح من حيث الفكرة والمضمون، لكن الذي يجب التمعن والنظر بحذر شديد له هو ضرورة الا تستخدم نتيجة هذه الانتخابات، كما استخدمت سابقا، في خلق الانقسام الأول في الساحة الفلسطينية، لتكون نتيجة هذه الانتخابات هو قراءة الفاتحة على روح السلطة وتأبيد الانفصال والاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على القدس.
باختصار يجب ربط شعاراتنا وكل حركتنا بالهدف الرئيسي وهو مواصلة بناء السلطة والمحافظة عليها، وتعزيز صمود الناس على الأرض على طريق إزالة الاحتلال. يجب أن ننشد كثيرا لاهدافنا بعيدا عن الشعارات البراقة والكلمات المعسولة التي لا تطعم ولا تغني من جوع، ويعيش البعض على قفى ترديدها؟!
ما ينطبق على الديمقراطية والانتخابات ينطبق بالتأكيد على موضوعة محاربة الفساد التي هي واجب وحق، لكن ليس على قاعدة تعهير كل ما هو موجود والإشادة بكل ما سبق مداقرة بما هو موجود. ان الإشادة بالماضي يهدف في أغلب الأحيان إلى ذم الحاضر في حين أن هذا الماضى كان قد عاني كثيرا من تشكيكهم وتعهيرهم وذمهم، الذي لم يترك شيئا خاصا أو عاما الا شكك فيه وعهره؟! هل نسيتم؟!
هناك ارادة و محاولة جادة لهدم السلطة وقذف شعبنا من جديد نحو المجهول، هذا سيعرض شعبنا إلى:
خسارة كل الإنجازات السياسية والاجتماعية التي أنجزها في عهد السلطة
وسيعرض شعبنا في الضفة إلى تغول المستوطنين واجبار المواطنين على الرحيل
لن نكون هناك ضفة غربية موحدة إداريا ولن يبقى هناك سلطة وطنية في الضفة واي فصيل أو حزب لديه وهم أن يكون هو بديل للسلطة في الضفة واهم واهم، هذه منحة لروابط القرى
الفلتان الامني والحروب البينية بين مختلف مكونات المجتمع والفقر والجوع وتحويل كل حارة في غزة والضفة إلى ثكنة تقودها عصابة هو المستقبل
غزة وفضائل المقاومة أكبر الخاسرين من سقوط السلطة، فلن يكونوا البديل، كما يتمنى البعض، ولن يستطيعوا مواصلة مقاومتهم
ستتعرض غزة والمقاومة إلى حرب اخيرة ماحقة تهجر أغلب السكان نحو سيناء
لن يستطيع الشعب الفلسطيني إعادة بناء م ت ف أو تشكيل مقاومة شعبية فاعلة الا بعد سنيين وعقود، قد تكون طويلة
أن الدعوة للمحافظة على السلطة ليس وهما، كما أنه ليس بالأمر الهين في ظل هذه الأجواء الشاسعة من التشكيك غير الواعي والتشكيك الواعي المبرمج. أنها مهمة نضالية شاقة وطويلة بحاجة إلى كل الوطنيين.
أن السلطة ضرورة موضوعية لبناء الفرد والمجتمع ولتشييد الأشياء والإنسان، أن الشعوب التي تفقد السلطات المركزية تتحول إلى مجموعة من الهمج تغزو بعضها بعضا ونأكل بعضها بعضا.
أن العديد ممن يحرضون ضد السلطة لا يقولون هذا مباشرة بل يدعون انهم ضد هذه المجموعة من الفسدة أو هذه الإجراءات غير الديمقراطية، لكن في الحقيقة هذه طريقتهم لهدم الخيمة فوق رؤوسهم ورؤوسنا.
تجربة غزة، لنلق نظرة مختصرة؟
قبل انتخابات 2006 كانت هناك نقمة سائدة وواسعة ضد السلطة لنفس اسباب النقمة الحالية ضد السلطة، الفساد والديمقراطية.
شارك في تلك النقمة السابقة ليس فقط المعارضة، بل أيضا أبناء السلطة وأبناء الأجهزة الامنية،
كانت الانتخابات وانتخب الشعب وكانت النتيجة،
أنتم تعرفون النتيجة،
لا تقلعوا عيونكم باصابعكم مرة اخرى، بكفي هبل لمرة واحدة.