كي لا يتكرر سيناريو ( النيل الأصفر )

نهر النيل
نهر النيل

بقلم: محمد جهاد إسماعيل 

قبل الميلاد بكذا ألف عام، كان نهر  النيل يستند إلى ثلاثة منابع أو مصادر أساسية. فإضافة للنيل الأزرق والنيل الأبيض اللذين نعهدهما لغاية الآن، كان هناك مصدر ثالث، هو النيل الأصفر. 

كان النيل الأصفر ينحدر من أراضي تشاد، ثم يعبر إقليم دارفور، قبل أن يلاقي مجرى النيل الرئيسي، عند شمال السودان. اليوم في الجغرافيا الحديثة لا وجود للنيل الأصفر، فقد باد وفنى نهائيا، وانقطع عن الجريان، منذ آلاف الأعوام. 

انقرض النيل الأصفر، وتهدمت الحضارة التي قامت على ضفافه. ليغدو أثرا بعد عين، لا يتبقى منه سوى واديه الجاف، شاهدا محفورا راسخا في صحراء تشاد ورمالها الذهبية. 

ولم يختف الرافد الأصفر فجأة، بل مكث زمانا طويلا يواجه الجفاف المتزايد وتراجع المناسيب، حتى انتهى به الأمر أخيرا إلى التلاشي الكامل والانقراض. نفس الحال قد يواجه النيل الذي يعبر مصر، أو لنسميه ( النيل المصري )، فاختفاء هذا النيل في حالة حدوثه - لا سمح الله - سيكون تدريجيا بطيئا، على مدى طويل، ولن يكون اختفاءا سريعا بطبيعة الحال. 

نعم قد يكون اختفاء النيل المصري أمر بعيد - زمنيا - عن وقتنا الراهن. لكن مقدمات هذا الاختفاء أخذت تتحقق مؤخرا، والعد العكسي لحدوثه قد بدأ. فالإجراءات الإثيوبية المتعلقة بسد النهضة لم تدع مجالا للشك، أن النيل المصري أصبح يواجه أزمة حقيقية، تتعلق بالبقاء والوجودية. 

من المتوقع أن يأتي مشروع سد النهضة بأضرار كارثية على مصر والاقتصاد المصري. فالانتهاء من ملء خزانات السد، يعني احتجاز       إثيوبيا لعشرات مليارات الأمتار المكعبة من الماء، بدلا من تركها تنساب باتجاه دولتي المصب مصر والسودان. 

الجغرافيا المصرية برمتها ستشهد تغيرات أكيدة، نتيجة المضي قدما في مشروع السد. ربما ليس بوسعنا الآن  التنبؤ بكل التغيرات التي سوف تحدث، لكن من البديهي حدوث نقص فادح في حصة مصر السنوية من ماء النيل، وما يترتب على ذلك من انخفاض منسوب النهر، وتكشف قطع من اليابسة، وانتشار الجفاف، ونشوء كوارث بيئية، وانخفاض نسبة الأراضي المزروعة، وتدهور إنتاج  المحاصيل، وتفشي البطالة في العمالة الزراعية. 

إن لم يتم كبح جماح إثيوبيا، وإن ظلت تمارس قرصنتها المائية، فإن مصر ستواجه في العقود القادمة مأزق جسيم  يتعلق بوجوديتها. كما وستورث الأجيال المصرية القادمة، مستقبلا مضطربا مرهقا، سمته الشظف والجوع والعطش. 

الأمر في غاية الحساسية والخطورة، فمصر تحارب في قوت أبنائها وأسباب بقائها. ما ينبغي على المصريين فعله هو أن يدافعوا عن حقوقهم بكل حزم وقوة، كي لا يعود بهم التاريخ عودته الغابرة الغادرة، فيحل بنيلهم ما حل بالنيل الأصفر. 

IMG-20210727-WA0005.jpg
 

البوابة 24