باب العمود "معركة وجود"

احسان بدرة.jpg
احسان بدرة.jpg

 بقلم/ إحسان بدرة ناشط سياسي واجتماعي وتربوي

فلسطين لبست ثوب  الإرادة لتتجلى في أجمل صورها من باب العمود في القدس الشريف إلى خليل الرحمن إلى  الضفة الصمود  وغزة العزة والكرامة  لتبدو كالبنيان المرصوص منتفضة ضد الاحتلال الإسرائيلي في مشهد جسد اللحمة الفلسطينية التي أربكت إدارة العدو الصهيوني بكل مفاصلها، بعدما أيقن العدو الإسرائيلي أن المقدسيين بانتفاضتهم  استطاعوا قلب الطاولة وتغيير المعادلة التي ظن أنها ستبقى سائدة.

اندلعت تلك الهبة هبة التحدي  في باب العمود بسبب المعادلة الإسرائيلية العنصرية والتي تقوم على الرقابة التفصيلية لتحركات المواطنين في باحات وساحات القدس وأبوا المسجد الأقصى ورغم هذه الإجراءات لم تمنع المقدسيين من الانتفاضة  ومن باب العمود تحديدا ليعلن المقدسي رفضه لكل الإجراءات العنصرية والقمعية والاحتلالية التي تمارسها  الشرطة الإسرائيلية  وعصابات المستوطنين .

الأمر الذي أصاب سلطات الاحتلال بالهيستيريا، خاصة أن باب العامود يمثل أهمية خاصة لليهود القاصدين  حائط البراق ولأن استمرار وجود هذا الكم الكبير من الفلسطينيين على مدرجه في شهر الصوم المبارك يشكل بالنسبة لليهود خطرًا أمنيًا، لذا تسعى سلطات الاحتلال إلى تثبيت واقع المراقبة الدائمة على الفلسطينيين ومنعهم من التواجد في منطقة الباب تمهيداً لتغيير هذا الواقع بشكل جذري لصالح التهويد التدريجي .

لباب العامود أهمية خاصة عند المقدسيين كونه يعد الشريان الأساسي الذي يوصل إلى أسواق البلدة القديمة التي يمتلكها الفلسطينيون وتمنحهم باب رزق، لذلك يعمل الاحتلال بشكل يومي على اغتيال الحياة الاقتصادية للمدينة وإغلاق أبواب حوانيتها، وبالتالي تدمير التدفق الاجتماعي عبر باب العامود بغرض إلغاء ما تبقى من الأسواق والسيطرة على عدد أكبر من العقارات في البلدة القديمة ومن ثم تهويدها.

وهنا سؤال يطرح نفسه هل باب العامود مشكلة أم قضية ؟؟؟؟؟

في الحقيقة فإن الانتفاضة أو الهبة المقدسية لا تقتصر هنا على باب العامود كونها استطاعت فرض واقع جديد في توحيد الصف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال بل أكثر من ذلك حيث أن أهمية باب العامود أظهرت التعبير عن رفض المقدسيين للاحتلال الإسرائيلي الظالم والمنظم للمدينة المقدسة وأهلها وأيضا الرفض لتهويد  حارات وشوارع البلدة القديمة والحرم القدسي الشريف وهنا لا ننسى أن هذه الهبة المقدسية جاءت تأكيدا لفرض صفقة القرن التي غارت مع مغادرة ترامب المشهد السياسي العالمي وكذلك هي علامة وإشارة لرفض ومساس أو تعديل للاماكن المقدسة أو لتغيير الوصاية الهاشمية عليها  إضافة إلى كل هذا إصرار الشعب الفلسطيني على تمسكه بهويته الفلسطينية وبهوية مدينة القدس العربية الإسلامية وبمعنى آخر أنها قضية وطن وقضية إرادة وقضية وجود وقضية حياة وكرامة الإنسان الفلسطيني.

 معركة باب العمود والمعادلة الجديدة

لقد جاءت انتفاضة المقدسيين في لحظة تاريخية وبتوقيت باب العامود في القدس فكان لها الأثر الايجابي البالغ الأهمية  وخاصة أن الاحتلال الإسرائيلية يعيش أزمة سياسية داخلية  ولا يبدو أن أحدًا ما في الداخل الإسرائيلي يمتلك أفقاً لحل قريب لتلك الأزمة.

 فالخبراء الإسرائيليون أنفسهم يقرّون بأن الجبهة الداخلية مربكة وغير جاهزة لأي مواجهة لا عسكرية ولا سياسية، خصوصاً بعد نكسة الإخفاق الإسرائيلي وانكشاف دوره المباشر كداعم رئيسي لمخطط الإطاحة بملك الأردن عبدالله الثاني بهدف تسهيل تمرير صفقة القرن ونقل الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس من الهاشميين في الأردن.

ولقد استطاعت انتفاضة القدس وهبة باب العامود فرض معادلتها الجديدة والتي لابد لها أن تحقق نتائج وتفاعل واقعي على الداخل الإسرائيلي وعلى الدول العربية التي مازال تأمل بتنفيذ صفقة القرن  وتقول للدول المطبعة أن قضية فلسطين والقدس خارج نطاق التطبيع المجاني وأن فلسطين ليس مع التطبيع ولا مع التهميش.

وهذا الواقع الجديد لما تعيشه فلسطين والقدس بوجه خاص يوصف بالأيام المجيدة على الواقع الفلسطيني وعلى عرب التطبيع وأصحاب صفقة القرن كأمر لا مفر منه وسوف يقلب المعادلة التي يريد العدو فرضها بالتعاون مع المطبعين من العرب والفلسطينيون قالوا كلمتهم إما معادلتنا الرافضة للتهويد وللتطبيع ولصفقة القرن وأما الانتفاضة عائدة من باب العامود.

من الأمور التي أربكت العدو الإسرائيلي انتفاض صواريخ غزة تضامناً مع انتفاضة باب العامود لتترجم اللحمة الفلسطينية في ظل ترابط محور المقاومة في المنطقة، ما جعل العدو الصهيوني في حالة فقدان للتوازن بعدما أيقن استحالة الاستفراد بأي مكون من مكونات محور المقاومة ليس في فلسطين فحسب بل في المنطقة كلها.

و لقد انقلب السحر على الساحر، فالاحتلال توقع عدم تصاعد الانتفاضة وأن تمر إجراءاته الجائرة والخبيثة في المدينة مرور الكرام، لكن العدو الصهيوني فوجئ بل انه صُدم وعلى مختلف المستويات السياسية والأمنية بإصرار الشباب المقدسي على مواجهة قوات الاحتلال بصدوره العارية رفضاً لكل المحاولات الهادفة إلى تهويد المدينة.

رسائل معركة باب العامود

فإن انتفاضة الشباب المقدسي الثائر في رحاب الحرم القدسي الشريف وعلى باب العامود إنما هي رسالة قوية وصفعة مدوية ليس بوجه الاحتلال وقطعان المستوطنين فحسب بل هي رسالة في وجه العرب المطبعين مع دول الكيان الصهيوني الذين وافقوا وسوقوا لما سمي بصفقة القرن، فرسالة المقدسيين كانت واضحة للعالم ولأولئك العرب المطبعين بالقول:

إن نحن الفلسطينيون أصحاب هذه المدينة وأصحاب الأرض ذات الهوية العربية ولن يمر تطبيعكم ولن تمر صفقاتكم مع العدو الصهيوني على حساب فلسطين والقدس، نحن سننتزع حقنا بايدينا مهما كلفنا من تضحيات.

وهنا رسالة أخرى أن انتفاضة باب العامود هي انتفاضة حق وانتفاضة إرادة وانتفاضة وجود واثبات حق وهي انتفاضة مجيدة وانتصارا لقضية فلسطين وقضية تحرير الوطن والإنسان  يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي وليست بمشكلة تنظيم مرور

وأخيرا  علينا الدفع باتجاه المحافظة على التضامن الفلسطيني والاستفادة من تماسك محور المقاومة بكافة أساليبها وخاصة المقاومة الشعبية لتطوير تلك النتائج سياسيا وامنيا واجتماعيا لتثبيت معادلة الإرادة والوجود ولابد هنا التأكيد على إجراء الانتخابات في القدس وبدون أذن الاحتلال فالحقوق تنزع لا تجبى من عدو حاقد ومستبد ومغتصب للحقوق الفلسطينية.

البوابة 24