بقلم: خليل الصمادي
عندما وصلت للرياض لأول مرة عام 1983 تردد اسم سليم البرادعي كثيرا ضمن الجلسات والسهرات ولا سيما بين الفلسطينيين والسوريين وكم تمنيت أن أجتمع به وأتعرفه بسبب الصفات التي كانوا ينعتونه بها.
لم أره إلا بعد عشر سنوات ونيف في زيارة له لمدارس نجد الأهلية إذ كان صغيره عبد القادر في الصف الخامس فعلمت أن أغلب المدرسين والإداريين يعرفونه وبعضهم يواظبون على زيارته، ففي إحدى المناسبات وأعتقد في عزاء السيدة زوجته أم عزيز كانت زيارتي الأولى له ( 2001) لتقديم واجب العزاء وتوالت الزيارات حتى صرت مواظبًا عليها بعد كل صلاة جمعة ، كان مجلسًا لطيفًا جميلًا يضم الأدباء والشعراء والمفكرين والخطباء يتجاذبون أطراف الحديث مع ضيافة كريمة من التمر والقهوة والحلويات.
توطدت العلاقة أكثر فصار يزورني، وكنت قبل أن أنزل إجازتي اتصل به فيرسل معي الهدايا لأرحامه وأقاربه هناك، وكلما نزل لدمشق في العطلة الصيفية كان يتصل بي وأرافقه في زياراته واعتقد أن آخر زيارة له كانت عام 2010 إذ خرجنا لبلودان برفقة الأستاذ العلامة د . مازن المبارك والدكتور محمود الربداوي بعد زيارة لمجمع اللغة العربية في المالكي والجلوس مع أمينه العام د. محمد مكي الحسني .
عاش أبو عزيز محبًا للناس صغيرهم وكبيرهم عالمهم ومتعلمهم، مثقفًا قارئًا فوق العادة، يمتلك مكتبة ضخمة تضم أغلب الأنواع والفنون .
ترجمته كما كتبها للأخ لطفي بن الشيخ محمد بن لطفي الصباغ :
هو أبو عبد العزيز سليم بن عبد القادر بن سليم البرادعي العباسي، ينتهي نسبه إلى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه .
ولد في 9 جمادى الآخرة عام 1351هـ الموافق 10/10/1932م في مدينة صفد بفلسطين، وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط فيها ثم نزح مع أسرته المكونة من أبيه وأمه وإخوانه وأخواته وعددهم 14 سنة النكبة 1948م إلى بنت جبيل بلبنان مدة 17 يوما، بعد ذلك اضطر للهجرة إلى حرستا بالغوطة الشرقية في سورية. ثم بعدها بثلاث سنوات انتقل إلى دمشق في حي العمارة .
تخرج في كلية اللغة العربية بجامعة دمشق عام 1954 ومارس التعليم لمدة عام في مدينة السويداء بجبل العرب، ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية سنة 1956م وعمل بالتدريس في المعهد العلمي بالمجمعة سبع سنوات .
انتقل إلى الرياض عام 1962م مترجماً بالحرس الوطني، حصل أثناء عمله بالحرس الوطني على إجازة باللغة الإنجليزية من جامعة الملك سعود بالرياض عام 1965م كما حصل على الجنسية السعودية . ثم عين رئيساً لإدارة الترجمة، ثم رئيسا لشعبة الخبراء بالحرس الوطني حتى تقاعده بعد خدمة 34 سنة.
ثم عمل بالقطاع الخاص مديرًا لمستوصف بشير عبيد لطب الأسنان حتى قبيل وفاته بسنتين.
كان للمرحوم أصدقاء كثر ولعل أهمهم الشيخ الفاضل عبد العزيز التويجري والشيخ عبد الله الماضي، وممن كان يحضر مجالسه من الأعلام : سعيد الأفغاني، الشيخ صالح الشامي، محي الدين القضماني، د. عبد الله الدنان، ومصطفى الزرقاء ومحمد بن لطفي الصباغ والمؤرخ محمود شاكر ، والشاعر عبد الغني التميمي من الخليل، والشاعر نذير العظمة من دمشق والشاعر عمر خلوف من حماة والشاعر أحمد أبو بكر من عين الفيجة ود. أحمد شلبوط ، ونزار الخاني ود. فواز الطباع ، وأيمن ذو الغنى ومحمد الأمين، ومحمود الربداوي ووزير الإعلام السوري الأسبق مصطفى البارودي، ود بسام بدير وأبو محمود التوبة وعبد الحفيظ لوباني ومحمود الحمد والشيخ الشوا والشرفاء وجمع غفير من أهالي صفد من آل الأسدي والعسكري وطافش وغيرهم.
تزوج السيدة وليدة قدورة من أسـر صفد العريقة أواخر عام 1957م. وأولادها عشرة خمس بنات وخمسة أبناء. وتوفيت رحمها الله في 20/08/2001م.
لم يكن مجلسه يوم الجمعة عاديًا بل كان منتديا ثقافيًّا كل مرة إما قصيدة جديدة وإما لقاء مع ضيف قادم من سورية أو مصر في زيارة علمية أو أدبية .
لعل أهم صفة امتاز بها المرحوم هي الوفاء إذ لا وفاء بعده فكان يحرص على متابعة أخبار كل من يعرفه أخبرني الأخ لطفي الصباغ أن أبا عزيز بعد وفاة والده بقي حريصا على زيارتهم في كل المناسبات يسأل عن أولاده وبناته وعن أحوالهم ، وأما أبناء المرحوم صديقه عبد الحفيظ لوباني فبالرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على رحيل عبد الحفيظ فلم تنقطع الصلات بينه وبين أولاده ، ولعل المقام يضيق عن ضرب الكثير من الأمثلة ولكن كل من يعرف أبا عزيز يعرف هذه الصفة المميزة عنده.
للأسف لم يترك لنا أبو عزيز أي كتاب أو مقالة فلو أراد لكان له السبق بذلك فإن حدثك عن الدين أصغيت وعن الأدب استمعت وعن فلسطين ذهلت.
ذات يوم وأثناء زيارته لدمشق صيف 2010 ذكر لي أن أعرَّفه على رجل من قرية الجاعونة من مخيم اليرموك فلم أذكر إلا المرحوم أبا الأمين عمايري ( رحمه الله) فهو أكثر أهل الجاعونة اهتماما بتراث قريته وله كتاب عن قرية الجاعونة وتم اللقاء وعبق المكان برائحة صفد والجاعونة وفلسطين.
أنت ابن العبد البرادعي يلي كان فاتح ملحمة ببلدنا ؟
- نعم أنا ابنه سليم .
فبعد أن عانقه قال له:
- أهلا وسهلا تذكرت أباك والدكان وتذكرتك.
وختمت الجلسة بوداع حار لم يدر أي منهما هل سيتقابلان أم لا ؟
لم يقصر أبو عزيز في خدمة أبناء بلده أو ممن يعرفه إذا استطاع لذلك سبيلا، ولم يقصر في إصلاح ذات البين بين المتخاصمين.
توفي يوم الاحد الثامن من ذي الحجة وصلي عليه في جامع الراجحي ودفن في مقبرة النسيم في جنازة مهيبة حضرها كل من معارفه ممن كان في الرياض أو المدن القريبة.
رحم الله أستاذنا وحبيبنا أبا عزيز وجعل مأواه الجنة.