بقلم:محمد زحايكة
ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والعباهرة..
عارف الحسيني ..من سحيق المعاناة وتجارب الحياة المريرة الى قمم الإبداع والتألق..
كان الصاحب يسمع عن عارف الحسيني كإنسان متميز وصاعد كالصاروخ الى الأعالي .. وربما كان يلتقيه على مفارق الطرق في شوارع القدس الخالدة.. فيحييه تحية عابرة وينطلق كل إلى سبيله.. ولكن عندما وقعت بين يدي الصاحب روايتين ، غريبتا الأطوار من حيث المسميات كافر سبت وحرام نسبي حتى انقض الصاحب عليهما انقضاض القط الجائع المحروم على شقفة او قطعة لحمة طازجة.. والحق ان الصاحب دهش وانعقد لسانه او على الاصح تململ قلمه لتقريظ هذين العملين الروائيين الفريدين من نوعهما وربما حاذر الصاحب وآثر التريث في الكتابة عنهما خاصة وانه غير متمكن من النقد لا المدرسي ولا العضوي او البنيوي إنما ما يكتبه لا يتعدى انطباعات شخصية تعبر بشكل مبتسر عما يجيش في صدره وبين حناياه تجاه هذا النتاج الروائي البديع.
واكتشف الصاحب انه أمام روائي متمكن ومثقف صاحب تجربة غنية وثرية رغم انه ما زال في مقتبل العمر وريعان الشباب كما يتراءى للصاحب اللاهب الواهم بوصول الدعم ، وبدا للصاحب من بعد قراءة الروايتين ان الرواية هي بنت المدينة كما يعتقد الصاحب انه قرأ هذا التعبير ذات مرة.. وإذا كانت أحداث الروايتين تدور في القدس ، فإن الكاتب المبدع قد جعل روح الصاحب تحلق في سماء المدينة المقدسة تبحث عن أثار أبطال الروايتين وهم ينسجون ويصنعون قصص وروايات القدس وناسها بدمع العين ونسغ القلب وحنين الزمن الماضي والحاضر المشرئب إلى المستقبل .
ولمس الصاحب روحا مكتنزة بالشغف والحنين تتجلى في سطور الروايتين المعجونتين بانفاس القدس وعطرها الفواح وماضيها العريق والعتيق وما تختزنه حجارتها الماسية من أسرار الحياة والوجود . دفق عارم اجتاح الصاحب وألهب مشاعره وهو يتنقل بين السطور تاركا لخياله الجامح العنان وهو يشطح مطلقا احلام اليقظة على اتساعها العميق الفسيح .
والتاع قلب الصاحب وهو يمتزج ويتماهى مع سيرة البطل الإنسان وهو يغوص في قصص الحب والغرام مستحضرا الأب الأول آدم والأم الأولى حواء وكل قصص الحب من روميو وجولييت وقيس وليلى وعروة وعفراء وقيس ولبنى وليلى الاخيلية والحميري وغيرهم من أمراء العشق والهيام .
فهل كانت الحبيبة التي رسم خيوط ملحمتها الغرامية انسانة من لحم ودم ، ام كانت رمزا لعروس العروبة القدس ام انه مزج الخاص بالعام على هدي الشعراء وفي طليعتهم سيد الكلام محمود درويش.. كل شيء محتمل وجائز . وخرج الصاحب مبهورا بهذا الأسلوب الروائي الحسيني غير المسبوق لربما . وبقي الصاحب مشدودا الى سحر الروايتين اللتين تستحقان القراءة مثنى وثلاث ورباع وهذا ما قرره الصاحب متى حصل على نسخ منهما بعد أن استعارهما صاحب النصيب و" خلع " غير راغب في إعادتهما للصاحب ، وبعد أن أبلغ هذا " الخالع " الصاحب ، انه حمار من اعار كتابا وحمار من أعاد الكتاب المستعار .. فأسقط في يد الصاحب اللاهب غير الحمار .. كما تردد عماد منى في تأمين نسختين جديدتين للصاحب المحروم من الدعم حتى الآن ..؟؟
ورغم محاولة الصاحب الاقتراب اكثر من شخصية الحسيني الثرية المبدعة في مجالات عدة للمساهمة في تسليط الضوء على هذه التجربة العلمية الخلاقة ، وخاصة تأسيسه وانشاءه مؤسسة النيزك العلمية للفكر والاختراع الإبداعي الشبابي من حيث اكتشاف الطاقات والعقول العلمية المبدعة قي شتى المجالات والمواهب ، الا ان الصاحب فشل في ارتياد هذا العالم الرحب ربما بسبب انشغال الحسيني في إطلاق وتجهيز المقر الفخم في حي الصوانة كما يظن الصاحب وكذلك ربما لعدم جدية المدعو فادي المطور في متابعة هذا الأمر وترك الأمور على غاربها وإلى محاسن الصدف ..
لا شك أن المفكر والمبدع عارف الحسيني قد رسم خطا في الرمال الصلبة .. رمال القدس وحاراتها وقمم جبالها العالية ، واستطاع بنباهته العلمية وحذاقته الفكرية وروحه الشبابية ان يجسد بعنفوان روح الشباب وتطلعاتهم الى عالم آخر من الإبداع وبناء الذات الجديدة لتكون عنوان ملهم لبناء وطن حر بعد دحر الغاصب المحتل ومقارعته بالفكر والإبداع حتى نهاية الصيرورة التاريخية الحتمية بتحرير الأوطان بسواعد وعقول الشباب اليانعة المتفتحة المبدعة الخلاقة .
عارف الحسيني الذي لا أعرف إلى أي الشهادات العلمية قد وصل ، ولكنه في نظر المنصفين ومحبي النجاح اكبر من كل الشهادات واكبر من كل الحاسدين والمشككين بالاحساب والانساب ، فالانسان بغض النظر عن أصله وفصله هو ما قد حصل . لا تقل كان أبي .. بل قل هأنذا الفتى..
عارف الحسيني مبدع مقدسي أصيل من جذور القدس الضاربة في الاعماق ، بنى نفسه بنفسه وحارب المستحيل وحقق إنجازات مدهشة ليس لنفسه فقط بل لوطنه وشعبه وصمد في وجه التيار العاتي بهمته وروحه العالية التي لا تعرف المستحيل وتواصل المساهمة في بناء صروح العلم واجيال من جيوش الإبداع الفلسطيني القادمة على أصوات صهيل خيول النصر والتحرير .
لنقف احتراما وتقديرا لهذه الشخصية العلمية والادبية صاحبة الخلق والإبداع في الزمن الصعب .