أمجد عرفات
تختلف كل بقعة عن الأخرى بتوارثها للعادات والأطعمة والمصطلحات، وذلك حسب الأعراف والتقاليد والعادات لكل مدينة أو حارة أو عائلة، فعند الحديث عن فلسطين، فإن أكثر مما ورثوه من الأتراك هي الأطعمة والمأكولات العثمانية القديمة وبعض الألبسة والمصطلحات.
وأهم ما تعلموه أهل فلسطين وبلاد الشام في مجال الأطعمة قديما وما زالوا حتى اليوم محافظين عليها هي "الكبة" وأصبح لكل مدينة شامية كبة خاصة بها، فمثلا نقول "الكبة الحلبية"، "الكبة الشامية - الدمشقية، الكبة اللبنانية، الكبة الفلسطينية" وتختلف كل واحدة عن الأخرى بكمية اللحم المحشو داخل عجينة البرغل او المكونات التي تُخلط مع اللحم.
والحديث اليوم لن يكون عن الأكلات العثمانية التي تعلمتها فلسطين وبلاد الشام من العثمانيين في القرون السابقة، كالكبة و"الدونير - الشاورما" والشيش برك، والشيش طاووق، بل هنالك أطعمة تركية غير متعارف عليها بين الجميع، دخلت إلى المطبخ الفلسطيني في العقد الأخير من الزمن، وقد تكون مقتصرة على مدن معينة، منها الأكلات الدسمة والحلويات.
قد يكون ذلك من كثرة المهاجرين من غزة إلى تركيا في السنوات الأخيرة، حيث فشلت هجرة الآلاف منهم لأوروبا عبر تركيا، فبعد انقطاع عنهم المصاريف في اسطنبول وحاجتهم للمبيت والغذاء، اضطر الكثير منهم للعمل في مطاعم إسطنبول لحين فتح معابر فلسطين والعودة لديارهم، حيث عادوا بعد سنوات إلى الوطن حاملين معهم خبرات في مجال الأطعمة التركية.
وقد تعلموا خلالها إعداد طبق (السوتلاج، وكذلك الكومبير، ولقمة السلطان، وأطعمة الطاجن، والكعك التركي، والكوارع المشوية)، وغيرها من المأكولات الكثيرة في عالم الغذاء التركي.
السوتلاج
انتشر حديثا في المطبخ الفلسطيني أكلة "السوتلاج التركية" ورغما أنها قديمة في تركيا، إلّا أنها دخلت في موائد الطعام الفلسطينية حديثا.
تقول الشيف رولا القيشاوي الفائزة بجائزة الطهي العربي من غزة "يتكون طبق السوتلاج من رز مسلوق ويُصفى منه الماء، ليُضاف إليه الفانيلا والمستكة والحليب، ويتم بعد ذلك شواءه على الفرن حتى يتقرمش وجه الطبق" ويسمونه بـ"مهلبية الأرز والحليب".
وقد شهدت حضورا مكثفا على السفرة الفلسطينية خلال شهر رمضان في آخر عامين، ويكثر الضغط عليه في اليوم الأول من الشهر الفضيل خاصة لاعتقادات متعلقة باللون الأبيض الذي يتكون منه طبق "السوتلاج" بأنه يبعث على الأمل والتفاؤل بالاستفتاح خيرا لشهر الصيام.
الكومبير
انتشرت بمدينتا رام الله والخليل في الضفة الغربية، وكذلك في كافة محافظات قطاع غزة، وجبة "الكومبير" ونالت شهرة واسعة جدا، حتى اُفتتحت مطاعم كبيرة جدا في الضفة الغربية ومؤلفة من طوابق مخصصة فقط لوجبة "الكومبير"، بعد كثرة زبائنها، مثل مطعم "هوت بوتاتو" في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، كما انتشرت محلات وبسطات الكومبير على طيلة شارع البحر بمدينة غزة.
والكومبير، هي حبة بطاطس كبيرة الحجم يتم شويها على نار هادئة لمدة تزيد عن الساعة، حتى تُطرى كليا، ثُم يتم حشو باطنها بالجبنة الصفراء والمايونيز والذرة والزبدة، والزيتون منزوع النواة، واللحم المفروم، ويُرش وجهه بالشطة، وتنتشر في غزة بالذات بكثرة، بصفتها تُعد من أكلات استراحة الشاطئ المفضلة، حيث تعتبر غزة الآن المحافظة الوحيدة ضمن حدود 1967 التي تُطل على البحر.
الأمعاء المشوية:
هي تلك الكوارع التي يتم استخراجها من أمعاء الأغنام والعجول، ويتم رصها بأسياخ الشاورما، وشويها بالعرض على عكس الشاورما التي تُشوى بالطول، ثم تُقطع هذه الأمعاء المشوية بالسكين بعد نضوجها وتماسكها كما تُقطع الشاورما، وتوضع بساندويتشات مع الطحينة والزيتون، أو تُقدم بصحون، وقد كانت الخليل أولى المدن الفلسطينية التي اتجهت لعمل هذه الأنواع من الأطعمة، وتم انتشارها بكثرة بين البادية هناك، حيث يُقيدون نارا أمام خيامهم في جبال الخليل بأية نزهة، وينصبون بها سيخ الكوارع، ويقيمون وليمة من الأمعاء المشوية التي تعلمونها من المطبخ التركي.
الطهي بفواخير الطعام
السيدة مريت شديد والتي عملت كموظفة شيف في مطاعم فلسطين وسلطنة عمان ومصر، تقول بأنها تعلمت من المطبخ التركي قبل نحو ثلاثة أعوام فن الطهي داخل أواني الفخار ونقلتها للمطبخ الفلسطيني، وكانت مطاعم طولكرم ورام الله والخليل وغزة بدأت الاتجاه لهذا المجال، حتى أدخلوا لهذا الفن في مجال الطهي مأكولات أخرى مخصصة من المأكولات التراثية الفلسطينية.
إذ أصبح خلطة وجبة "المسخن الفلسطيني" تُطبخ أحيانا عبر هذه الفواخير، وكذلك وجبة "التشيكن بيتزا" وكذلك وجبة "الأوزي" وهي أرز مخلوط مع البازيلاء والجزر واللحم المفروم، وكذلك وجبة "فخارة الكباب".
وتشتهر تركيا بطهي قطع اللحم مع الأرز والخضراوات داخل الفواخير المغلقة بطبقة العجين، إذ يتم وضع الفخارة داخل أفران شديدة الحرارة لتخرج الوجبة ناضجة وجاهزة، وقد انتشرت صور لنجوم وشخصيات عربية داخل المطاعم التركية الشهيرة، يُقيمون جلسات تصوير مع الشيف الذي يقوم بإعداد لهم هذه الطواجن، كالفنانة اللبنانية نانسي عجرم، والمغربي ربيع الصقلي، والداعية السعودي محمد العريفي، وكذلك اللاعب البرازيلي رونالدينهو، وغيرهم من الشخصيات العربية والأجنبية.
محشي القرع
هي على طريقة طواجن الفخار، ولكن يتم استبدال الفخارة بحبة القرع الكبيرة، يتم إفراغ ما فيها بذور وألياف وملئ جوفها بقطع اللحم والأرز والخضروات الأخرى، وأحيانا ورق العنب والملفوف، كقطع الزهرة والبطاطا والجزر والباذنجان، ثم لف حبة القرع بورق القصدير ووضعها لمدة ساعتين داخل الأفران، فتخرج القرعة وما بداخلها ناضجة وطرية، وقد دخلت المطعم الفلسطيني في مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية قبل نحو عام.
دوالي اللبنة
هي عبارة عن ورق العنب المحشو باللبنة يتم تخليلها، لا تُستعمل كوجبة رئيسية كالتي يتم حشوها بالأرز أو اللحم المفروم، بل كمقبلات عادية، حيث يتم حفظها في عبوات بالماء والملح والليمون لمدة شهر كامل كالمخللات العادية المكونة من الخيار والجزر وقرون الفلفل، وأحيانا يتم غمره داخل العبوات بزيت الزيتون لدى المقتدرين ماديا، كما توضح الشيف مريم شديد.
لقمة السلطان
هي حلويات شهيرة وفاخرة، تُعتبر من الحلويات الملكية سابقا للباشوات والسلاطين في الدولة العثمانية، حتى أن اسمها "لقمة السلطان" مشتقة من محبيها قديما، ولكنها دخلت إلى السُّفرة الفلسطينية حديثا منذ نحو سبع سنوات وأقل.
وتوضح رولا القيشاوي بأن هذه الحلوى عبارة عن عجين رقيق وطري جدا مطبوخ مع الحليب والكاكاو والزبدة والسكر وماء الزهر، يتم فرده ووضع فيه الموز والفستق وقطع الفراولة، ولفها كما يُلف الساندويتش، وتقطع بالسكين عدة قطع، ثم رشها بالعسل وجوز الهند والفستق الحلبي المطحون ويوضع بالثلاجة لحين يبرد.
السُّميت
إحصائيات تركية تقول بأن المواطنين في مختلف المقاطعات التركية يستهلكون يوميا أكثر من 2 مليون قطعة من السميت خصوصا عند الإفطار صباحا، وهو الكعك التركي الشهير المرشوش بالسمسم، وقد يتم خلط عجينته أحيانا بالقَطِر، ويعود تاريخها إلى زمن الإمبراطورية الرومانية والعثمانية سابقا، ولكنه انتشر في المخابز الفلسطينية حديثا.
وأغب المحافظات والمدن الفلسطينية التي تشتهر به في مدينة القدس المحتلة، وخصوصا لدى باعة الكعك المتجولين في القدس وباحات المسجد الأقصى، حيث أغلب ما يُميز مدينة القدس في مجال الأطعمة عن غيرها من المدن الفلسطينية هي الكعك المقدسي، وقد أُضيفت إلى بسطات هؤلاء الباعة مختلف الأشكال من الكعك التركي، حتى أن الفلسطينيون العائدون من أداء طقوس عباداتهم من المدينة المقدسة إلى غزة ورام الله وطولكرم وأريحا، تكون حقائبهم مليئة بأنواع الكعك التركي والمقدسي، حيث يُعد ذلك من أفضل روائح مدينة القدس لدى الفلسطينيين المحرومين من زيارة عاصمتهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي.