البوابة 24

البوابة 24

محاور سياسية في الوضع العربي بارتباطات إقليمية ودولية

محمد جبر الريف
محمد جبر الريف

بقلم: محمد جبر الريفي

من الصعب النظر إلى الوضع العربي الحالي بدون قراءة مفردات الخارطة السياسية العربية، وهي خارطة يبدو فيها بوضوح وجود محورين عربيين لهما ارتباطهما بالقوى الإقليمية والدولية، ولهما أيضًا تأثيرهما المباشر على الوضع الفلسطيني، باعتبار أن القضية الفلسطينية هي ما زالت قضية قومية، رغم التراجع الذي حصل على صعيد أولوياتها في اهتمام أنظمة وشعوب المنطقة: أولهما  المحور الأكثر تأثيرًا في السياسة العربية، لكونه يضم بلدانًا عربية رئيسية لها وزنها الإقليمي، بحكم تعداد سكانها البشري ومواردها النفطية وموقعها الجغرافي، وهذا المحور يتكون بشكل أساسي من مصر ودول الخليج العربية، باستثناء قطر، وهو يجسد في توجهاته؛ تكتلًا سياسيًا وأمنيًا في معاداة قوى الإسلام السياسي، وبشكل خاص تجاه حركة الإخوان المسلمين، كما له فاعليته العسكرية الآن في ما يدور في اليمن من صراع مسلح بين "شرعية" النظام وحركة أنصار الله الحوثية المدعومة من إيران؛ بسبب الاعتقاد المذهبي الشيعي، وهو صراع يأخذ بعده الإقليمي؛ بسبب وجود هذا العامل الطائفي الذي أفرز تحالفًا عسكريًا سنيًا، فيما يعرف بالتحالف العربي الذي تقوده السعودية.

المحور الأول هذا له تأثيره الكبير في الأزمة السورية، أما بالنسبة للقضية الفلسطينية فهو ملتزم بخيار المفاوضات السياسية - رغم تعثرها- كأسلوب وحيد للوصول إلى تسوية شاملة للصراع العربي الصهيوني، في إطار ما يسمى بمشروع حل الدولتين، وهو بذلك يدعم جهود السلطة الفلسطينية في سعيها السياسي المتواصل للوصول إلى هذه التسوية.

ثانيهما: المحور القطري التركي، ووجود تركيا كقوة إقليمية اسلامية سنية في إطاره يجعل له تأثيرًا مقابل الدور الإيراني ذي المرجعية الشيعية وقطر الإمارة الخليجية العربية الصغيرة؛ تمارس الآن في السياسة العربية الرسمية؛ دورًا محوريًا يفوق حجمها البشري وموقعها الجغرافي، مما جعلها قاعدة ارتكاز لفض بعض الأزمات العربية، كأزمة المصالحة الفلسطينية (اتفاق الدوحة)، وهي بهذا الدور السياسي المحوري؛ أخذت تنافس الدور المصري التاريخي والدور السعودي الخليجي وتستقوي في هذا التنافس بحركة الإخوان المسلمين السنية؛ فتحت مظلة الإسلام السياسي الذي تخشاه بشكل خاص كل من السعودية ودولة الإمارات ونظام السيسي في مصر.

تظهر قطر في المنطقة كقوة فاعلة نشطة على الساحة العربية والإقليمية توظفها الولايات المتحدة والدول الغربية في تليين مواقف قوى الإسلام السياسي تجاه ما يطرح في المنطقة من أفكار ومشاريع سياسية ..هكذا أصبحت الخارطة السياسية العربية محصورة في الظرف الحالي بشكل واضح في هذين المحورين السياسيين العربيين، في حين أن محور المقاومة أو الممانعة كما كان يطلق عليه من أطرافه وأنصاره له بالطبع مواقفه وخطابه السياسي وخياره الاستراتيجي المتمثل في مشروع المقاومة، كبديل في مواجهة خيار المفاوضات السياسية، وقد بقى يشكل في الخارطة السياسية العربية َمجرد خطاب سياسي يوصف بالتطرف في نظر السياسات الغربية؛ أكثر منه منظومة عسكرية تحالفية، وذلك قياسًا لمواقف الاعتدال التي تتصف به باقي دول المنطقة، حتى هذا الوصف بدأ بعض أطرافه يعمل على تليينه، وذلك من خلال التعاطي مع العمل السياسي والدبلوماسي، والسعي لنسج علاقات مع الغرب لتحقيق أهداف خاصة، قد تجد قبولًا من دوله الكبرى؛ لأنها لا تتناقض جذريًا مع مصالحه الحيوية في المنطقة؛ فحماس مثلًا في سعيها لفك الحصار على قطاع غزة، مقابل تهدئة طويلة الأمد مع الكيان الصهيوني، فهي أيضًا إنما تريد أن تحقق من خلال ذلك الاعتراف بشرعيتها الدولية والتخلص من تهمة الإرهاب الذي ألصقها بها الغرب، وكذلك تعزيز وجودها كفصيل؛ شريك أساسي في قيادة النظام السياسي الفلسطيني والتطلع مستقبلًا إلى إقامة مشروعها السياسي.

أما إيران وهي تتطلع لتحسين علاقتها مع الغرب لرفع العقوبات الاقتصادية عنها، فهي في مقابل ذلك؛ إنما تسعى لكسب الاعتراف من الغرب بدورها السياسي والعسكري في كل ما يتعلق بأحداث المنطقة وصراعاتها، خاصة في سوريا والعراق واليمن، وهو الأمر الذي يغضب دول الخليج العربي السنية وكذلك دولة الكيان الصهيوني؛ لأنه يصب في صالح النفوذ الإيراني ويسهل في عملية توسيع تمدده في المنطقة.

بقى علينا بعد هذا السياق؛ أن نلاحظ أمرين في الخارطة السياسية العربية: أولهما: أن ثمة تطورًا ميدانيًا هامًا طرأ على صعيد الصراع المسلح في سوريا؛ يتمثل في زيادة الدعم العسكري الروسي للنظام، وهو ما يمكن أن يشكل تحالفًا جديدًا في المنطقة، ومن المؤكد أن هذا الدعم الروسي المتواصل يهدف إلى منع انهيار الدولة السورية إلى موقع التطرف الإسلامي الذي له امتداداته بين الأقلية المسلمة في الشيشان والاتحاد الروسي بشكل عام. وقد طرح ثقل هذا الدعم الذي سجل مؤخرًا حدة التعارض بين الاستراتيجية الأمريكية والغربية، وبين المصالح الروسية في المنطقة، مما يعيد إلى الأذهان العلاقة السياسية والعسكرية القوية التي كانت قائمة في مرحلة ماضية بين الاتحاد السوفييتي السابق وسوريا وباقي الأنظمة الوطنية وقوي حركة التحرر العربية. أما الأمر الثاني الذي يجب ملاحظته في الخارطة السياسية العربية، هو أن المحورين السياسيين العربيين الكبيرين في المنطقة لا ينطلقان في سياستهما الرسمية من مشروع نهضوي وطني وقومي وتقدمي، وأنه لا يحكمهما حالة عداء أو تناقض رئيسي في أي ملف سياسي أو اقتصادي أو أمني أو أيديولوجي مع المعسكر الغربي الرأسمالي الإمبريالي التي تقوده َواشنطن. وفيما يتعلق بالموقف من الكيان الصهيوني؛ فلم يعد هذا الكيان العنصري الغاصب يشكل عند كثير من دول المحورين العربيين؛ خطرًا استراتيجيًا على كيانها القطري؛ لأن بعضها، خاصة الخليجية؛ استبدلت الخطر الصهيوني بالخطر الإيراني وبخطر التنظيمات السلفية.. كما علينا أن نلاحظ أيضًا أنه في خضم هذه التغيرات التي تحدث في المنطقة أن التحديات أخذت تتعاظم أكثر من أي مرحلة أخرى من قبل التحالف الإمبريالي الصهيوني.. كما علينا أن نلاحظ أيضًا أنه في خضم هذه التغيرات التي تحدث في المنطقة؛ أن التحديات أخذت تتعاظم أكثر من أي مرحلة أخرى من قبل هذا التحالف؛ مستغلًا بذلك حالة الفوضى السياسية والأمنية في المنطقة وحال الخارطة السياسية العربية في مواجهة كل هذه التحديات والأخطار والتحالفات؛ تكاد تخلو الآن من محور رئيسي كبير وفاعل لدعم النضال الوطني الفلسطيني في مواجهة مخططات حكومات اليمين الصهيوني العنصري المتطرف الذي يسعى إلى التوسع الاستيطاني والتهويد... محور له وزنه القومي والإقليمي يقود الصراع بين حركة التحرر العربية والأطراف المعادية .

البوابة 24