البوابة 24

البوابة 24

يُحكـــــــــــــى أنَّ (2)

سليمان دغش
سليمان دغش

يُحكـــــــــــــى أنَّ   (2) / سليمان دغش
يُحكى أنَّ عَناةَ الكِنعانِيَةَ، ذات العَينينِ الزّرقاوينِ
بِلونِ البَحْرِ الساجِدِ قدّيساً عندَ أصابِعِ قَدَمَيْها كانَتْ تَتَشَمَّسُ
عارِيَةَ الروحِ على شاطئِ حَيفا
يَعشَقُها البَحرُ وتَعشَقُهُ فَيُعَمِّدُ كلَّ صباحٍ قَدَمَيها بمِياهِ المُتَوَسِّطِ،
 تؤنِسُها دَنْدَنَةُ المَوجِ على قَدَمَيها الحافِيَتينِ كَلوحِ بيانو
بمفاتيحَ منَ الألماسِ المَطلِيّ بماءِ الياقوتِ على شمعِ أظافرِها،
فَلِمَنْ تُسْلِمُ مِفتاحَ الصولِ عَناةُ وسُلَّمها الموسيقيَّ سوى للبَحرِ؟
فلا موزارتَ ولا شوبانَ ولا بتهوفن يُتقِنُ أوركسترا البَحرِ على قَدَمَيها
حينَ يفيضُ البلورُ من كريستال الساقينِ إلى شفةِ البحرِ المحمومِ بفيضِ النور العالي،
ثمّةَ سرٌّ لا يَعلَمهُ غير اللهِ فأوحى للبَحرِ يُحاصِرُ خاتَمَ خاصِرِها
 ويُقَبّلُ كلَّ صباحٍ سرَّتها البكرَ على شكلِ محارةِ بحرٍ تُدعى يافا
كمْ هامَ البَحرُ وهمَّ بها، أثمَلَهُ عطرُ الليمونِ يُطَوِّقُ تاءَ التأنيثِ
تجلَّت كالأيقونةِ في سُرَّتِها العذراء كنرجسَةٍ لم يلمَسها غير شعاعِ الشمسِ
تهادى عبرَ حبَيباتِ الطَّلِّ إلى مَيسَمها عندَ الصُّبحِ وأسرى
 تحتَ وشاح الليلِ يَهِشُّ النّجَماتِ إلى مخدَعِها
لمْ يَزَلِ البحرُ كعادَتِهِ مذ كانَ اللهُ وكانَ البحرُ يحاوِلُ عبَثاً
أنْ يَعلو قِمّةَ نهديها المذعورَينِ كَقُبَّرَتَينِ على صدر يَتعالى
في كَرمِلِ حَيفا..
وتَقولُ الأسطورَةُ: يُحكى أنَّ الحوتَ الأزرَقَ حاوَلَ أنْ يَبتَلِعَ الكِنعانِيَّةَ
ذاتَ دُوارٍ محمومٍ بخرافاتِ التلمودِ وصفر الحاخامِ الأكبَرِ
لكنّ عناة استعصتْ المَرَّةَ تِلوَ المرَّةِ.
هل يؤتَمنُ البَحرُ وهل تؤتَمنُ الرّيحُ الغربيّةُ؟
لا يؤتَمنُ البَحرُ ولا تؤتَمَنُ الرّيحُ تقولُ عَناةُ وَتَسحَبُ فستانَ المدِّ البَحريِّ
إلى آخرِ نَفَسٍ في البَحرِ لِكيْ تَخلَعَهُ حتى آخرِ شهقاتِ الجَزْرِ،
فهل أحدٌ غيرُ عناةَ أذَلَّ البَحرَ؟!
ويحكى أنَّ يهوشعَ بن نون التائهَ في صحراء الأسطورةِ
أربَعة عُقودٍ كاملةً، قادَ الجُندَ إلى شاطِئِها الغَربيِّ على صَهوةِ عجلٍ في التوراةِ
فسادَ ظلامٌ، طارَ حَمامٌ ودماءٌ خضّبتِ الأرضَ الثاكلَ
مذ ذاكَ اليوم الدامي لم يسقطْ مطرٌ يا بَعلُ على كنعان
ويحكى أنّ عناة الكنعانيّةَ ما زالت تتشمسُ عارية الروحِ
على شاطِئِها المفتوحِ بوجهِ الرّيحِ
فكمْ حوتاً أزرَقَ جاءَكِ يا سيِّدةَ الكَونِ ويا مبتدأَ الكُنّ ويا أوّلَ فردوسٍ في الأرضِ تجلّى فيهِ اللهُ، فكيفَ تكونُ الجنّةُ أجمَلَ منكِ؟
والرّوح القُدُسُ اختاركِ في الرؤيا وبشارةِ مريَمَ فاكتَمَلَ الثالوثُ بقُدُس الأحرفِ
يا قُدسُ فعذراً ما زالَ طويلاً دربُ الآلامِ فَعذراً يا سيّدتي الأولى، يا فاصِلةً من نور تتهادى بينَ سماء الملكوتِ وسُرَّةِ هذي الأرض الثكلى
تَتَجَلّى كالأيقونةِ في عُنُقِ الكونِ،
فَهَلْ أختارَ الجنّةَ بعدَكِ?
لنْ أختارَ الجَنَّةَ عُذراً
حسبي أنيَ فيكِ وأنّكِ أنتِ الجنّةْ
يُحكــــــــى أنَّ
سليمان دغش/ فلسطين
(مقطع 2 من 7 من سلسلة يُحكى أنَّ)

 

سليمان دغش.jpg
البوابة 24