وهو يسير في طابور المعدمين

خالد جمعة
خالد جمعة

بقلم:خالد جمعة 
وهو يسير في طابور المعدمين
كمن خسر عائلةً للتو
يحدّق في المدينة أمامه
وفي الأمتار الخمسين التي تفصله عنها
غبار كثير، أولاد وبائعو حلوى
جنود ببنادق جاهزة ولامعة
نساء مريضات، أمهات بأولاد مريضين
أسلاك وأجهزة ذكية تتعرف على النوايا
وهو يسير في طابور المعدمين
كان الشهداء يتساقطون بحجج كثيرة
كل جندي لديه كتاب اسمه "كتاب الحجج"
يفتحه بعد أن يطلق النار، وليس قبل
هذه المرّة، لم يكن هناك ما يسعفهم في الكتاب
كانت الكاميرات كلها هناك مصادفة
وكان هو يتلو المعوذات بشفتين مرتجفتين
اكتشف فجأة أنه عجوز جداً
يا الله!!
أين ذهب الوقتُ كلّه؟
تسقط امرأة على ذراعه، بولد على ذراعها
مجرد امرأة من طابور المعدمين خبزتها الشمس والانتظار
في أوقات أخرى، كانت ستسعده رائحتها
ويتخذ من سقوطها حجة ليصيرا أصدقاء
لكنه اليوم حزين وعجوز
بعكازه أشار إلى الجندي من بعيد
وكانت الساحة وقتها قد تعبّأت بالعتمة
وسال الوقت بين شقوق الحديد
ها أنا وحيد مرة أخرى
لا طابور ولا فرصة لوجبة خبز في المدينة
يا الله!!
لا أحد تبقّى ممن أحببتهم
لا المدرسة القديمة، ولا بائع الكعك البيتي
لا ساحة الخردوات تلك، ولا حائكة الأثواب
هذا الحاجز هو الوحيد الذي تبقى 
كي يفصل طفولتنا عن شيخوختنا
يا الله!!
أعطني قليلا من العمر
لأرى سيلان الشتاء على أرصفة المدينة
ثم افعل بعد ذلك ما تشاء

 

البوابة 24