بقلم:د.خضر محجز
اليوم هو يوم الذكرى:
ذكرى البطولة، وذكرى الحب، وذكرى التضحية، وذكرى الألم، وذكرى الغدر، وذكرى خيانة الأهل..
الذكرى العشرون لكل ذلك مجتمعاً..
قال الراوي: إنّهُ قد حدث ذات يوم يشبه هذا اليوم، قبل عشرين عاماً، أن تَحَمَّلَ رجلٌ مسؤولية إصدار قرارٍ مُمُيَّز، في ظرفٍ مُمُيَّز، أداءً لحقِّ رجلٍ مُمُيَّز، يمثل قضية مُمُيَّزة..
قرار أصدره صاحبه، ثم غاب..
غاب، ونسيته فصائل المقاومة، ونسيه أهلُهُ..
اليوم تَحِلُّ ذكرى القرار الشجاع، لرجل هو الآن شرف فلسطين المأسور.
اليوم هو ذكرى الفخر والألم والعظة يا أحمد:
هو ذكرى الفخر: لأنك قرَّرتَ بنا ـ منذ تلك اللحظة ـ قانوناً جديداً في الردّ، لم يكن الفلسطينيون يجترئون قبل ذلك على إصداره: الرأس بالرأس.
وهو ذكرى الألم: لأننا نقيم المهرجانات، فنُطَيِّر منها التحايا للهواء على هبوبه، وللماء على جريانه، وللخشب على احتراقه، ثم ننسى اسمك الذي يذكرنا بخزينا من بعدك..
وهو ذكرى العظة: العظةِ المرّة التي جَرَّعناكَها ـ بهدوءٍ ورَوِيَّةٍ وإصرارٍ ـ كأساً وراء أخرى، وجرعةً تتلوها جرعةٌ، حتى ثمالةِ كلِّ كأس؛ وأنت صامتٌ مثل تمثال بطولةٍ تَمُرُّ به العواصف.
اليوم ذكرى ملحمة ريجنسي: الذكرى التي سنتغنى بها اليوم، بأناشيد وطبول أقوى من صوت الرعد، نرشو بها ضمائرنا، ونُخَدِّرُ بها ما تبقى فينا من نوازع الشرف، كي نستعيد فحولةُ ماتت، لعلنا نجرؤ على التحديق في وجوه نسائنا، اللاتي أدرن لنا ظهورهن في الفراش، وأنت في سجنك.
سنختلف يا أحمد على كل الأشياء، وعلى ما يحيط بالأشياء، ولكننا لن نختلف على أن ننساك:
سنختلف على تسميتك أسيراً أو سجيناً..
وسنختلف على أي الأمرين أولى بثورتنا التي تطالع الروح: أن تراعي الظروف، أم تجترح المعجزات...
وسنختلف على حق الذي كان عدواً، في سنّ قوانين كل صفقة، بما يضمن بقاءك في القيد..
رفيقي الذي هو أخي، وأخي الذي هو رفيقي، أحمد سعدات،
اليوم هو يوم الحمقى أمثالي، يستعيدون فيه تاريخاً حَلَّتْ مكانه الأغنية..
اليوم يوم بقايا الديناصورات القديمة ـ أمثالي ـ يستذكرون أنّ لهم بطلاً تُغَيّبه السجونُ، وتتناساه الفصائل..
اليومَ وكلَّ يوم، أُبرِقُ مني ـ أنا الديناصور اللعين المُسَمَّى بالشيخ خضر ـ إليك، يا أحمد سعدات، يا شرف فلسطين وراء القضبان؛ تحيةَ محبٍّ متألّم..
تحية لك يا سيدي، وتحية للرفاق الذين تحملّوا العبء، وتحية لفلسطين في كل ساعة وحين.. وليخسأ المرجفون ـ أمثالي ـ كلما استذكروا بطلاً، لا يعجب ذكره مخلوقات تسمي أنفسها بالمناضلين..
وكل عام والشرف بخير،
يا أحمد،
يا سعدات،
يا فلسطين.
