صحفيين ايطاليين ضد الحرب

بقلم بسام صالح

وقع عشرة  صحفيين مراسلين حرب ، من ذوي التجربة العالية في جميع أنحاء العالم، رسالة مفتوحة انتقدوا فيها كيفية تعامل وسائل الإعلام (خاصة الأكبر والأكثر انتشارًا) بنقل  اخبار الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا. واكدوا أنه تم اعتماد "فكرًا مهيمنًا واحدًا فقط" يُنسب إليه الفضل  بينما أولئك الذين لا يفكرون بهذه الطريقة يتم تصنيفهم على أنهم أصدقاء بوتين، وبالتالي، بصوة او باخرى، يتحملون المسؤولية المشتركة عن المذابح في أوكرانيا". أعلن الموقعون عن تضامنهم مع أوكرانيا وشعبها ، لكنهم يتساءلون "لماذا وكيف ولدت هذه الحرب"؟. وطالبوا باجراء "تحليلًا متعمقًا لما يحدث، وقبل كل شيء، لماذا حدث ذلك."

عشرة صحفيين كانوا في السابق مراسيلي حرب لكبريات الصحف الايطالية مثل كوريري ديلا سيرا و ريبوبليكا و التمبو و وكالة الانباء الايطالية آنسا و بانوراما، و ال صولي24 ومراسل القناة5 . اسماء مرموقة في عالم الصحافة والاعلام الايطالي، لا تتفق كيفية التعامل مع الاحداث الجارية، واثارت رسالتهم الكثير من الجدل والنقاش الحاد. 

جاء في الرسالة: "بالنظر إلى أجهزة التلفزيون وقراءة الصحف التي تتحدث عن الحرب في أوكرانيا، أدركنا أن الامور لا تسير بشكل طبيعي ، وأن شيئًا ما يتحرك بشكل سيء إلى حد ما. كنا أو كنا مراسلين حرب في أكثر البلدان تباعدًا، وتعرضنا للقصف، وسقط بعض زملائنا وأصدقائنا خلال النزاعات، وكنا قريبين من الأشخاص الذين مزقتهم الانفجارات، وقمنا بجمع الجرحى وشهدنا تدمير المدن والقرى. قمنا بتصوير جموع هاربة، ورأينا أطفالًا تمزقهم الألغام الأرضية. استعدنا صور أطفال محفوظة في محافظ بعض الجنود القتلى. تم اختطاف بعضنا، ونجا احد  زملائنا بصعوبة بالنزول من سيارته قبل ثوانٍ من تفجيرها بقنبلة".

يشهدون بأنهم رأوا وعاشوا الحرب حقًا ومن الداخل. وهذا هو سبب عدم مشاركتهم لكيفية تمثيل ونقل الصراع في أوكرانيا اليوم، وهو أول صراع بعيد المدى في عصر الويب المتقدم.

تتابع الرسالة: "تغمرنا الأخبار، لكن في التمثيل الإعلامي، ينقسم المتحاربون دون تمحيص إلى جيد وسيئ. في الواقع جيد جدا وسيء جدا. لكن الأمر ليس كذلك. يجب أن ندرك أن الحرب تحرك مصالح لا توصف ولا يتم الكشف عنها لعامة الناس. مليئة بالأخبار، لكن لا أحد يتحقق من هذا الخبر. قامت وسائل الإعلام بتغطية كبيرة للمذبحة التي وقعت في مسرح ماريوبول ولكن لم يتمكن أحد من التأكد مما حدث بالفعل. في الأيام التالية، أعلن عمدة المدينة بنفسه أنه على علم بضحية واحدة فقط. وتحدثت مصادر أخرى عن مقتل شخصين وجرح البعض. لكن المذبحة في المسرح، التي تعتبرها وسائل الإعلام من المسلمات، أصابت الرأي العام في القلب والبطن". ويؤكد المراسلون العشرة ان للدعاية ضحية واحدة هي الصحافة والحقيقة.

وتوضح الرسالة على الفور: لا أحد هنا يدعي أن فلاديمير بوتين حمل وديع. هو الذي بدأ الحرب وغزا أوكرانيا بوحشية. هو الذي أطلق صواريخ تسبب الألم والموت. بالطبع بكل تأكيد. لكن يجب أن نسأل أنفسنا: هل هو المسؤول الوحيد؟ تواصل وسائل الإعلام تقديم قصص مؤثرة عن الألم والموت تؤثر بعمق على الرأي العام وتعمل على تهيئه لسباق حتمي نحو سباق إعادة تسليح خطير للغاية. وها هي إيطاليا تزيد الإنفاق العسكري ليبلغ 2٪ من اجمالي الدخل الوطني. إن استثمار بهذا الحجم في التكاليف العسكرية سيؤدي حتما إلى انخفاض في الإنفاق المخصص لرفاهية السكان .

وتقول الرسالة" يبدو إن حالة طوارئ الحرب قد وضعت جانباً مبادئ التسامح التي ينبغي أن تثري المجتمعات الديمقراطية الليبرالية. بدلاً من ذلك ، يُنسب الفضل إلى فكرة مهيمنة وأولئك الذين لا يتبعونها يتم نعتهم على أنهم اصدقاء بوتين، وبدقة اكثر مشاركين بالمسؤولية عن المذابح في أوكرانيا".

واختتمت الرسالة "نحن متضامنون مع أوكرانيا وشعبها، لكننا نسأل أنفسنا لماذا وكيف ولدت هذه الحرب؟. لا يمكننا أن نستبعد على عجل الدوافع بجنون بوتين المفترض. لسوء الحظ، نلاحظ أن معظم وسائل الإعلام (خاصة الأكبر والأكثر انتشارًا) تفتقر إلى تحليل متعمق لما يحدث، وقبل كل شيء، سبب حدوثه. هذا ليس لأنه يجب تبرئة روسيا والديكتاتور فلاديمير بوتين من مسؤولياتهما ولكن لأنه فقط من خلال فهم هذه الحرب الرهيبة وتحليلها بعمق يمكننا منع حدوث صراع من هذا النوع مرة أخرى في المستقبل".

انحاز الاعلام الايطالي الرسمي والخاص كغيره في الدول الغربية، مع استثناء بعض المواقع الصحفية الالكترونية، حول الحرب الدائرة في اوكرانيا، واعتبرها حربا تهدد الكل الاوروبي ، ويمارس بشكل مكثف من خلال البرامج التلفزيونية والاذاعية والصحف شيطنة روسيا و رئيسها ونعته بمختلف الاوصاف، وبنفس الوقت يستضيف بعض الشخصيات السياسية والاعلامية والثقافية المعارضة لنهج الهيمنة الاعلامية الداعمة لاستمرار الحرب ورفض تزويد اوكرنيا بالاسلحة، ولكن تتم مقاطعتهم باستمرار واستهزاء كي لا تصل افكارهم للجمهور، بينما يسمح للاخرين بالحديث دون مقاطعة. والحقيقة ان وسائل الاعلام تتناسى وتتجاهل اي حديث عن مسبباب العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، وتتجنب الحديث عن اي مقارنات بحروب اخرى سابقة واسبابها المزعومة، لانها لا تتوافق مع التوجه السائد وتحرج كافة المدافعين عنه، فهناك حرب تدمير العراق وزيف اسبابها الاسلحة الكيماوية، وهناك احتلال مستمر منذ 74 سنة ولم يتحرك العالم الغربي لوضع حد لهذا الاحتلال وانتهاكاته المستمرة للاعراف والقوانين الدولية وقراراتها، بل لجاء دائما لسياسة الازدواجية في المعايير والكيل بمكياليين. هذه السياسة وهذه الهيمنة كما يبدو وصلت الى ذروتها وبدأت بوادر فشلها، هذا احساس الناس العاديين الذين يرفضون الحروب وتبعاتها  من تخفيض الخدمات الاجتماعية للدولة وتوجيهها نحو مزيد من التسلح، الى ارتفاع الاسعار خاصة المحروقات نفط وغاز والتي سيكون تاثيرها باهظا ليس فقط للمواطن بل للمصانع والشركات المصنعة.

البوابة 24