البوابة 24

البوابة 24

الحزن يعرف أهله

بقلم: شفيق التلولي 

مسكينة أختي، ماذا تبقى لها بعد كل هذا الوجع، بعد الحزن الذي يسلمها لحزن آخر؟! وهي التي تقطن بيتا متواضعا زادها في الدنيا يأوي أسرتها الكبيرة والممتدة، أصيب ابنها فيما يسمى مسيرات العودة وبترت ساقه حتى أنه أحرق نفسه قبل أقل من عام كما فعل أقرانه الذين أصيبوا بخيبة كبرى، كذلك أصيب لها ابن آخر في ذات المسيرات، ذاقت أختي ضنك العيش ومرارته، اجتهدت وصبرت واحتسبت ورابطت، في كل جولة من جولات الحياة كان لها من الحزن نصيب.
في غمرة تلك الحرب الدائرة على أصغر بقعة بالعالم وعلى وقع رحاها كانت تجلس وعائلتها تلملم فتات الوقت ترقب ما يرشح من أخبار العدوان وما خلفه من قتل ودمار، تنتظر الإعلان عما يسمى بالتهدئة التي صارت سمة كل جولة من جولات أمراء الحروب، حتى انهار بيتها على رأسها ورأس أسرتها وتناثرت حجارته وتطاير منه الصفيح.
تعالت الصيحات والصراخ وحط في ديارها البكاء والعويل، شج رأس زوجها، تهشم وجهها وانفتحت شفتاها وتكسر فكها، وسقطت أسنانها، أما ابنتها ففقئت عينها وانفتحت رأسها، وطالت الشظايا أحشاء ابنها، كذلك لم يسلم الآخرون من جروح وخدوش، يرقد كل منهم في مشفى وباتت العائلة محزونة وبلا مأوى.
الآن، حطت الحرب أوزارها واتفق الأمراء على التهدئة التي تمناها كل مكلوم، وليتها أبرمت قبيل يوم أو يومين حتى من أيامها الثلاثة لما شيعنا اليوم كوكبة من الأطفال الذين تناثرت أشلاؤهم فوق المقابر حيث كانوا يحلقون حول قبر جدهم؛ يشتكون الحرب ويأنسون، ويستظلون هربا من حرارة الصيف القائظ الذي يلهب بيوتهم في ظل انقطاع التيار الكهربائي المستمر، أو كنا شيعنا شهداءنا من قبل بما يليق ونصبنا بيوت العزاء، أو لعلنا تجنبنا كل هذا الشقاء وما حل بنا من بلاء.
نعم، انتهى كل شيء وعدنا نراوح في ذات الغزة التي أنهكها الغزاة وأمراء الحروب، لم نجن غير الفقد والمصاب والحزن الذي يعرف شقيقتي وأسرتها وكل مكلوم ورث الكمد في تلك البقعة التي لم تعد تتسعها الخيبات.

فلسطين- غزة في/
٨ آب ٢٠٢٢م

البوابة 24