المراوغة الإسرائيلية في حسم موقفها إزاء الصراع الأمريكي الروسي على الساحة الأوكرانية

بقلم:أ.جملات عبد الحميد الشاعر

العلاقات الإسرائيلية الروسية ليست حديثة الولادة بل منذ عصر الاتحاد السوفياتي وبعد انهياره  ، وهي من الدول الأولى التي اعترفت بدولة إسرائيل في الشرق الأوسط ، والمغذي الديمغرافي الأول لها ،حيث يوجد مليون ناطق بالروسية في إسرائيل، وتربطهم علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية قوية ، وفي نفس الوقت تربطها علاقات أمنية واقتصادية وتكنولوجية مع الدولة الأوكرانية التي ولدت من رحم الاتحاد السوفياتي بعد انهياره واستقلال دوله ، فأصبحت إسرائيل في موقف لا تحسد عليه أمام الحليفين الاستراتيجيين ، ومحاولةً في البداية الحياد لأنها لا ترغب في خسارة الحليف الاستراتيجي الروسي ، وفي نفس الوقت لا تقل أهمية العلاقات الإسرائيلية الأمريكية التي تعتبر الحليف الاستراتيجي الداعم السياسي للوجود الإسرائيلي في الشرق الأوسط ,وهي الطرف الأخر في الحرب الأوكرانية الروسية ، والتي تحمل مسؤولية الدفاع عن الدولة الأوكرانية،  وتقود المعسكر الغربي ضد روسيا .
عندما اشتد الصراع الروسي الأوكراني تدخلت الخارجية الإسرائيلية وطالبت الطرفين بالتفاوض والوصول لحل دون دخول الطرفين في حرب مدمرة ، إلا أن الصراع أخذ طابع السياسة الخشنة ، فوجدت إسرائيل نفسها أمام خيارين أما إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا أو الاصطفاف بجانب حليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها جزء من العالم الغربي الديمقراطي  ، فكان موقفها الخيار الأول ، رغم محاولتها منذ قيام روسيا عام 2014م بضم ِشبه جزيرة القرم إلى حدودها أن تلتزم الحياد في الصراع المتعدد الأطراف ، لكن الظروف أجبرتها تغير سياستها، فأدانت إسرائيل الغزو الروسي لأوكرانيا وصفته "انتهاك خطير للنظام الدولي " ، وأعلنت استعدادها لتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الأوكراني كموقف إنساني أما سياساً مازالت محايدة ، وفي نفس الوقت طالبت الطرفين للعودة لطاولة المفاوضات ، تحت رعاية دولية لتسوية الخلافات سلمياً دون الدخول في حرب مدمرة .
 تحاول إسرائيل قدر المستطاع  التضيق على سياسة إيران التوسيعية في الشرق الأوسط بواسطة روسيا  ،حيث يوجد مصالح مشتركة  بينهم ، والتنسيق في بعض الملفات منها الملف السوري ، حيث يوجد تنسيق حول تطلعات الطيران الإسرائيلي لضرب أهداف إيرانية في سوريا ،  أيضاً لم تقدم إسرائيل ما طلبته أوكرانيا  من سلاح خوفاً من ردة الفعل الروسية في العديد من الملفات وخاصة الملف السوري الإيراني ، وفي نفس الوقت لا تخرج عن الإطار العام للمعسكر الغربي.
تضارب المصالح لدى إسرائيل فهي لا تستطيع الاستغناء عن الحليف الأمريكي ولا عن الحليف الروسي ، وفي حالة تدهور الصراع الروسي الأوكراني لحرب شاملة سوف تجبر أمريكيا إسرائيل الانحياز والانضمام للمعسكر الغربي في إدانة روسيا في حربها على أوكرانيا ، وقطع العلاقات كافة معها ، وفي حالة رفض إسرائيل لطلابها سوف تولد سلسلة من  الخلافات الإسرائيلية الأمريكية  وربما قرارات بشأن  عدة ملفات وأهمها الملف الوجودي لإسرائيل ألا وهو القضية الفلسطينية، وملف العدو اللدود الملف الإيراني . 
وبالتالي إسرائيل بين نارين لا تستطيع التخلي عن الحليف الروسي الذي يحميها من الضرابات الإيرانية الأتية من سوريا  ، وتغض النظر عن ضرباتها لإيران في سوريا خاصة في هضبة الجولان ، وفي نفس الوقت لا تستطيع التخلي عن الحليف الأمريكي من أجل القضية الفلسطينية والملف الإيراني ، وهي من طبيعتها توظيف الأزمات الدولية لصالحها ،وتحاول توظيف الأزمة الأوكرانيا الروسية في استقطاب يهود أوكرانيا إلى فلسطين الذي يبلغ عددهم 200 ألف .
هناك عدة تساؤلات في حالة التصعيد بين القوى العالمية العظمى  الأمريكية والروسية ، أين ستتجه إسرائيل للمعسكر الغربي أم الشرقي ؟ أي المرتكزات التي سوف ترتكز عليها في اختيار مصيرها ؟ هل إسرائيل ستبقى في موقف الحياد وتكتفي بتقديم المساعدات الإنسانية وتنسحب سياسياً حتى تنتظر نتيجة الحرب في حال اندلاعها بين القوى العظمى  ؟ هل سياسية إسرائيل الحيادية افقدت ثقة القوى العظمى فيها ؟ هل مستقبل إمدادات الأسلحة الإسرائيلية إلى أوكرانيا يعتمد بشكل أساسي على الجهة الفائزة في الانتخابات ونوع الائتلاف الذي سيتم تشكيله ؟

البوابة 24