الأرض أرض أبونا واجوا المستوطنون يطحونا

بقلم:- منى الفارس

تستيقظ الحاجة أم عصام – من قرية بورين جنوب نابلس – فجراً، لتقوم بتحضير زوادة الطعام ومفارش الزيتون والاكياس والسلالم، لتقوم بتحميلها على الخيل والحمير لتذهب كل فجرٍ سيراً على الاقدام لمسافة إثني كيلوا متراً إلى أرضها المزروعة بالزيتون والتي يزيد عمر اشجارها عن خمسين عاماً، والتي ورثتها عن زوجها والذي ورثه بدوره عن ابيه واجداده. تقول ام عصام:- نقوم سنوياً في مثل هذه الأشهر من السنة بجني محصول الزيتون ولكن الوضع هذه السنوات يختلف عن سابقها من السنين، وتقصد_ قبل إقامة مستوطنة يتسهار المقامة على أراضيهم _ وتضيف ان المستوطنة تتسع وتلتهم اراضيهم كالنار في الهشيم كل يوم تتسع اكثر من اليوم الذي قبله، وما يترتب من قربها من مواجهات عنيفة مع المستوطنين وكلابهم وما يتفننون به من ضرب واطلاق كلابهم علينا لتنهش أجسادنا وإطلاق الاعيرة النارية صوبنا، واثناء هذه المشاهد العنيفة، يحضر جنود الاحتلال المدججين بالسلاح وبدلاً من طرد المستوطنين وكف أذاهم عنا يقومون بطردنا من أراضينا تحت تهديد السلاح ومصادرة ما جمعناه من المحصول.

بينما هي تسرد علينا ما يحدث تحاول جاهدة إخفاء دموعها بمسحها بطرف كمها وترفع راسها لأعلى لتستذكر لنا ذكرياتها القديمة خلال موسم قطاف الزيتون قائلة " كنا زمان نستيقظ فجراً حالنا كحال جميع سكان المنطقة نذهب جميعنا الى حقل الزيتون من طفلاً عمره يوم الى مسن، فالجميع يشارك في هذا الموسم حتى طلاب المدارس كانوا يٌمنحوا إجازة تسمى إجازة زيتون مدتها خمسة عشر يوما لمساعدة ذويهم في عملية القطاف، كنت اصطحب معي الزوادة التي تحتوي على (الطعام والماء والقدر وابريق الشاي والقهوة والصحون والملاعق والكاسات) وكل ما نحتاجه اليه اثناء العمل من معدات، أما بالنسبة للأطفال الرضع أمثال ( ابني محمد الذي حينها لم يتجاوز عمره سنه) ، كنا نعمل لهم سريراً يسمى ( حذلاً) مصنوعاً من بطانية وحبل يقيد بجذعي شجرتين ليحميه من لسعات الحشرات وكي ينام ويلهو داخله ، وتجلس حماتي بقربه وتشعل الموقدة لتتكفل هي بإعداد وجبة الطعام والمشروبات الساخنة من قهوة وشاي. كم كانت تلك الوجبات والمشروبات لذيذة رغم بساطتها ولكن طعمها كان يختلط بطعم السعادة التي كنا نحياها، لقد كنا كثر يتجاوز عددنا العشرون فرداً فكان يشاركونا معونة وهم أصدقاء لنا من قرى مجاورة ممن لا يملكون أشجار زيتون او نجلب عمالا بالأجر وعادة ما كانت اجرتهم زيتوناً او زيتً. حينها كان موسم الزيتون خصباً فعدد أجرار الزيت تصل او تكاد تزيد عن مئة جرة، وجرة الزيت كانت مصنوعة من الفخار يخزن بها الزيت لفترة طويلة تحفظه ويبقى داخلها نقياً، كنا نبقى نعمل في الحقل بهمة ونشاط الى ان يحل الغروب علينا نتوقف عن العمل ونٌحمل أكياس الزيتون التي جمعناها وجذوع الحطب على الحمير او الخيول عائدون الى بيوتنا، لنعيد الكرة في اليوم الذي يليه للعمل ونبقى نعمل على نفس الوتيرة لغاية الانتهاء من موسم القطاف.

وأضافت ام عصام:- اما بالنسبة ليوم عصر الزيتون ويسموه درس الزيتون يكون لنا بمثابة عرسٍ، يتجمع فيه شباب العائلة في المعصرة ويتعاونون على حمل الاكياس وإدخالها في ٍ المعصرة وما هي إلا لحظات حتي يسيل الزيت من المعصرة ويٌعبأ في أجرار عندها المزارع جبينه ويبرد عرقه ويذهب عنه التعب، فرغم كل هذا التعب الا اننا نكون بكامل هم تنا ونشاطنا والسعادة لم تفارقنا. اما قي هذه الأيام أصبحنا نتسلل الى أراضينا فجراً لنتمكن من قطف الثمار قبل ان يهاجمنا المستوطنين، وبينما نقوم بعملية القطاف نلتفت يمينا وشمالا بحذر ورعب شديد كأننا نقوم بسرقة المحصول متناسين ان الأرض ارضنا والشجر شجرنا، على رأي المثل الدار دار ابونا واجو الغرب يطحونا، فجميع هذه الأشجار المعمرة خير شاهدٍ على تعب السنين التي عشناها برفقة ابائنا وأجدادنا فأسمائنا ليست محفورة عليها بل رويناها بعرقنا ودماؤنا. أما مواطنو محافظة سلفيت المقامة على أراضيها مستوطنة ارائيل فتستحوذ على نصيب الأسد من التعايش مع أفلام الكابوي الشرسة، التي تخرجها قوات الاحتلال وتنفذ دور البطولي فيها قطعان المستوطنين وما تشمله من مشاهد إطلاق الاعيرة النارية وقنابل الغاز وطلاق الكلاب المسعورة لتنهش أجساد المزارعين وتتخلل هذه العمليات الهمجية الكر والفر والتي تتكرر بشكل يومي. لدرجة ان بعض المزارعين من غيضه يقوك بتنا نشك ان هؤلاء المستوطنين شركاء لنا في هذه الأرض واجدادنا ورثوهم حصة بها ويعقب المزارع خالد انه لمرات عديدة قمنا بجمع المحصول وعبأناه في الاكياس يسطوا علينا قطعان المستوطنين ويعتدون علينا بالضرب ويحرضون كلابهم لتنهش أجسادنا، حينها لم يكن بوسعنا الا الفرار لحماية ارواحنا وارواح أولادنا، وهم بكل اريحية يقومون بسرقة الاكياس ليقلوها الى المستوطنة ليضيع رزقنا وتعبنا سدى. هذا ما يجري في محافظة نابلس وسلفيت وتتكرر تلك المشاهد الاجرامية من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال في كافة المحافظات الفلسطينية خلال موسم قطاف الزيتون فزيتون بلادي مباركا لأنه رمزا للسلام فقط بل لأنها مشبعةً بتصبب عرقنا ونزيف دمائنا.

البوابة 24