بقلم: محمد جبر الريفي
بغداد عاصمة الرشيد لها موروثها الثقافي في الذاكرة ألقومية فطالما قرأت في كتب التاريخ بما كانت تحدث فيها من أحداث جسام باعتبارها عاصمة الخلافة العباسية خاصة اقتحامها من قبل هولاكو وإحراق ما في مكتباتها من مخطوطات ووثائق وكتب ورمي رمادها في نهر دجلة وقد اختلط بالدم الذي لون مياهه بالأحمر ..في يوم الإطاحة بالنظام الملكي الهاشمي في ثورة تموز 58 بقيادة عبدالكريم قاسم وعبد السلام عارف وقفت اسمع لبيانات مجلس قيادة الثورة من المذياع الكبير المثبت في صدر المقهى الوحيد في الحي وقد اكتطز بألزبائن من الرجال اما نحن الأولاد الصغار فقد وقفنا على الباب الكبير المفتوح على مصراعيه وبين البيان والآخر كانت تذاع اغنية بغداد يا قلعة الأسود ..اغنية سمعتها لأول مرة عن عاصمة الرشيد وقد أخذت تتردد طوال اليوم في المقاهي وفي البيوت وفي مذياع تاكسيات الاجرة وسيارات الملاكي أي الخاصة فتثير الحماس في نفوس الناس الذين استقبلوا الثورة العراقية بالفرح خاصة أنها حدثت في عهد الوحدة المصرية السورية وكان الأمل أن ينضم العراق للجمهورية العربية المتحدة الذي كان يرأسها جمال عبد الناصر ...بعد عدوان يونيو حزيران 67 واحتلال الضفة الغربية كانت شوارع عمان تزدحم بالجنود العراقيين الذين أرسلتهم بغداد لدعم الأردن وكنت اسمع وانا في الشارع اغنية بغداد يا قلعة الأسود تتردد في بعض المحلات والأماكن التي يرتادها الجنود العراقيين أثناء إجازاتهم لذلك كله بدأت أحس بالشوق لرؤية بغداد بعد أن زرت دمشق وبيروت وأقمت بالقاهرة لسنوات بغرض الدراسة الجامعية . .في بغداد كانت الحرارة 50 درجة مئوية اما في فندق فلسطين فقد كانت حجراته رطبة منعشة وخلال أسبوع من الاقامة كنت امشي في الشوارع بدون كلل شارع الجمهورية وشارع السعدون وساحة الحرية وميدان جمال عبد الناصر وشارع الرشيد شارع المكتبات والثقافة والتراث وشعر ابي نواس نهر دجلة عن قرب والمقاهي الكبيرة المقامة على ضفته واغاني أم كلثوم تصدح في المكان الذي تفوح فيه رائحة السمك المشوي .. عادت لي القاهرة بشوارعها وميادينها من الذاكرة كأني ما زلت مقيما في المنيل والدقي والعجوزة وباب الشعرية واتجول في الأزبكية نفس المناظر كورنيش النيل وكازينو جروبي والنيل ورائحة الذرة المشوية بغداد والقاهرة اضحتا أمام بصري وجها لوجه في لوحة حضارية فنية بديعة كانت الساعة الواحدة بعد الظهر ودرجة الحرارة ايضا 50 حين ركبت الباص في طريق العودة إلى عمان نفس الباص ونفس السائق ونفس الاغاني الشامية والعراقية والمصرية لكن الجندي العراقي أبو القاسم الذي عرفته في عمان لم يكن معي في الأتوبيس لقد بقي في بغداد قلعة الأسود يقضي أيام إجازته العسكرية ..