بقلم: د. فرح ميشيل عوض – أخصائي أورام
يُعد مرض السرطان حسب منظمة الصحة العالمية، ثاني أكثر الأسباب شيوعاً للوفاة، بعد أمراض القلب والشرايين. ومن الأسباب الكثيرة المسببة له ما هو معلوم ومُثبت، وما هو غير معلوم وفي انتظار الإكتشاف.
أما الأسباب المعلومة فتنقسم الى قسمين: أسباب قابلة للتغيير وأسباب غير قابلة للتغيير. والمقصود بالأسباب الغير قابلة للتغيير: العوامل الجينية مثل وجود بعض أنواع الطفرات، أو الأمراض الوراثية، أو وجود تاريخ عائلي للإصابة بالسرطان، بدون وجود خلل جيني محدد، أو وجود بعض الخصائص الجسدية مثل لون الجلد وغيره (فمثلاً نسبة إصابة أصحاب البشرة الفاتحة بسرطان الجلد أعلى من غيرهم). والجدير بالذكر أنه يمكن الوقاية من مرض السرطان عند هذا الجزء من السكان عن طريق برامج الكشف المبكر، إضافة الى ضرورة التوعية بكونها عاملاً مسبباً للسرطان، ولكن هذه الأسباب بحد ذاتها ثابتة وغير قابلة للتغيير.
أما الأسباب القابلة للتغيير، وهي الموضوع الأساس لهذا المقال، فيُقصد بها الأسباب التي يُمكن تجَنُبها بشكل مباشر، وهي كثيرة ومتنوعة ويمكن تقسيمها الى أربعة أنواع: الكيميائية، والفيزيائية، والبيولوجية والجسدية. هذه الأسباب لها دور مُثبت علمياً للإصابة بالسرطان، ولكن يجب التنويه أنها ليست وحدها المسببة له.
الأسباب الكيميائية هي المواد الكيميائية المسببة للسرطان وأهمها وأكثرها شيوعاً هو التدخين. يُعد التدخين سبباً رئيسياً للسرطان، فهو المُسبب لحوالي 25-30% من حالات الوفاة بالسرطان. يُسبب التدخين سرطانات الجهاز التنفسي العلوي والسفلي (وخاصة سرطان الرئة)، سرطان الفم واللسان، اللوكيميا، سرطانات الجهاز الهضمي (المريء، المعدة، البنكرياس، الكبد، والقولون)، سرطان عنق الرحم، الكلى، وسرطان المثانة البولية. كما يرتبط بالإصابة بسرطان الثدي والبروستات. زيادة على ذلك فإنه توجد أنواع من السرطان لا تُصيب عادة إلا المدخنين مثل سرطان الرئة من نوع سرطان الخلايا الصغيرة Small cell carcinoma ونوع سرطان الخلايا الحرشفية Squamous cell carcinoma، وكلاهما من أسوأ أنواع سرطان الرئة. كما أن التدخين السلبي هو سبب مهم للسرطان عند غير المدخنين! إذا، فالتوقف عن التدخين يُجنب الإصابة بما ذُكر بالإضافة الى قائمة طويلة من الأمراض الأُخرى، كتصلب الشرايين والذبحات الصدرية وغيرها.
إضافة الى التدخين، فقد ثبت علمياً إرتباط شرب الكحول بالسرطان (وخاصة سرطان القولون، الثدي، المريء، الكبد، والفم والحلق) حتى بالإستعمال الخفيف أو المتوسط. كما يوجد مواد كيميائية أخرى مسببة للسرطان ومنها: تلوث الهواء (خاصة بالمواد المنبعثة من عوادم السيارات)، مادة الاسبست (المستخدمة قديماً في البناء، والمرتبطة بسرطان "ورم المتوسطة" Mesothelioma)، غاز الرادون، والتلوث بالزرنيخ.
أما الأسباب الفيزيائية فأهمها التعرض للأشعة فوق البنفسجية (ومصدرها الرئيسي هو الشمس) لإرتباطها بسرطان الجلد، سرطان الميلانوما الخبيث، وسرطان خلايا ميركل Merkel cell carcinoma. إضافة الى ذلك، فإن التعرض للإشعاعات النووية يزيد خطر الإصابة بالسرطانات المختلفة، كما حدث في المناطق القريبة من مفاعل تشيرنوبل في أوكرانيا، وكما تُفيد بعض الملاحظات بخصوص زيادة الإصابة بالسرطان في المناطق القريبة من مفاعل ديمونا الإسرائيلي.
أما الأسباب البيولوجية فهي الجراثيم المرتبطة بالسرطان. ومن الأمثلة على ذلك فيروس الورم الحليمي البشري (Human papillomavirus) المُسبب لسرطان عنق الرحم وسرطانات الرأس والعنق، فيروسا الكبد الوبائي B و C المرتبطان بسرطان الكبد، فيروس إبشتاين-بار (Epstein–Barr virus) المرتبط بسرطانات الدم والبلعوم الأنفي وغيرها، فيروس تي-الليمفاوي البشري من النوع الأول (Human T-lymphotropic virus 1) المرتبط بسرطانات الدم، فيروس العوز المناعي البشري (HIV) المرتبط بسرطانات عدة، بكتيريا "جرثومة المعدة" (Helicobacter pylori) المرتبطة بسرطانات الجهاز الهضمي وخاصة المعدة، الطُفيل المُسبب للبلهارسيا (Schistosomiasis) المرتبط بنوع معين من سرطان المثانة البولية.
أما السبب الرابع والأخير من أسباب مرض السرطان القابلة للتغيير فهي الأسباب الجسدية. ومن هذه الأسباب البدانة، والتي ثبت إرتباطها بسرطانات الجهاز الهضمي، الثدي، الرحم، المبيض، الكلى والورم النقوي المتعدد (Multiple Myeloma). إضافة الى ذلك، يرتبط إنخفاض النشاط البدني بالسرطان (خاصة سرطان القولون والثدي) حتى في حالة عدم وجود زيادة في الوزن. وأخيراً هنالك أدلة على إرتباط تناول اللحوم الحمراء والمُصنعة بسرطان القولون.
إذا فالإجابة على سؤال "هل يمكن الوقاية من مرض السرطان؟" هي: لا ونعم، فهنالك ما لا نعرفه من أسباب هذا المرض وكذلك ما لا نستطيع تغييره (مع التشديد على أهمية الوعي بالمُسببات واتباع برامج الكشف المبكر الموجودة)، ولكن هنالك أسباب نستطيع تغييرها: كالتوقف عن التدخين وتجنب شرب الكحول واتباع نظام حياة آمِن وصحي.
مع تمنياتي الدائمة للجميع بدوام الصحة والعافية.
#علاجات_السرطان