ا.د خالد محمد صافي
يثير تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بأن السلام بين اسرائيل والمملكة العربية السعودية سيؤدي إلى إنهاء الصراع العربي _ الإسرائيلي، وهذا سيؤدي إلى نهاية واقعية وينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مخاوف حقيقية عدة لابد من الوقوف يد واحدة كشعب فلسطيني لمواجهتها، فهو يرى أن تطبيع الدول العربية مع اسرائيل سيشكل محاصرة للشعب الفلسطيني وعزله عن محيطه العربي الإسلامي، وبالتالي الانفراد به وتركيعه، وفرض الأمر الواقع عليه من قبل اسرائيل بعد أن تم إنهاء حالة الصراع مع الدول العربية، وبالتالي تصبح المبادرة العربية التي كانت في الأصل سعودية مبادرة من الماضي ووثيقة تاريخية رغم أن بيانات القمم العربية لا تزال تنظر لها على أساس أنها القاعدة لحل الصراع العربي _ الاسرائيلي، حيث كانت تقوم على أن يتحقق السلام بين اسرائيل والشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وبالتالي يتبع ذلك التطبيع مع الدول العربية.
وقد عمل نتنياهو خلال عقدين تقريبا على الالتفاف على المبادرة العربية التي رفضها في حينه رئيس الوزراء الاسرائيلي أرئيل شارون، وصرح بأنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به، ورد عليها عمليا وواقعيا بالهجوم على مدن الضفة الغربية وإعادة احتلالها.
وقد حاول نتنياهو بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية على تقويض قواعد المبادرة من خلال الحديث عن أن التطبيع مع الدول العربية سوف يساهم في دفع عجلة السلام في المنطقة. وهذا بحد ذاته هو جوهر الاتفاقيات الإبراهيمية التي تدعمها الولايات المتحدة، وتمارس كل ضغوطها من أجل تحقيقها كما حدث مع البحرين والإمارات العربية المتحدة، والسودان، حيث تبرز أمام هذه الدول أن تحسين العلاقات بين هذه الدول وبين الولايات المتحدة الأمريكية يمر عبر النافذة والرضى الإسرائيلي، وأن شرعنة أنظمة الحكم في هذه الدول مثل السودان ورفعها من قائمة الإرهاب هو من خلال الرضى والتطبيع مع إسرائيل. ولذلك كرس نتنياهو كل جهوده السياسية في فترات حكوماته من أجل اتفاقيات التطبيع لاسيما في فترة الرئيس الأمريكي ترامب.
وقد هرولت دول الخليج مثل الإمارات والبحرين نحو التطبيع الكامل مع اسرائيل، بعد أن صورت لها الولايات المتحدة أن إيران هي الخطر على أنظمة هذه الدول، وأنه ليس أمامها سوى التحالف مع اسرائيل لخلق تحالف سني اسرائيلي لمواجهة إيران. ولذلك تم التوقيع على عدة اتفاقيات عسكرية وأمنية بين هذه الدول واسرائيل، بل أصبحت إسرائيل هي من تقود هذه الدول أمنيا. ولذلك تبذل اسرائيل كل ضغط على الولايات المتحدة لإتمام صفقة التطبيع مع المملكة العربية السعودية التي تتمتع بثقل سياسي وعسكري وأمني وديني في المنطقة، وأن نجاح اسرائيل في تحقيق اتفاقية التطبيع مع المملكة العربية السعودية يعني إحكام الحصار عربيا على الفاسطينين، وافقادهم عمقهم العربي والإسلامي، وبذلك فحسب توقع اسرائيل سيكونوا بعد ذلك لقمة سائغة للتنكيل بهم وفرض الشروط الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني في ظل قيادته المنقسمه.
إن ما يحدث يشكل تحدي كبير للشعب الفلسطيني يتطلب وقفة تقييمة من قبل قيادته من خلال إنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة التوافق الوطني، ووقوف الكل الفلسطيني في ساحة المواجهة مع العدو الصهيوني، وعدم ترك العدو يستفرد بشمالي الوطن أو جنوبه، أو بستفرد بالقدس، أو في مدينة دون أخرى كما يحدث من ممارساته على الأرض تجاه مدن جنين ونابلس وأريحا. ومحاولته اللعب بالورقة الاقتصادية وسياسة العصا والجزرة.
إن إنهاء الانقسام هو مطلب شعبي وحاجة سياسية ملحة وضرورية لوقف هرولة الدول العربية حيث إنها استغلت الضعف والتشرذم الفلسطيني للتمادي في التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتخلي حتى عن مبادرتها السياسية الأخيرة التي تعد أخر مبادرة تمثل الإجماع العربي، حيث تم تجاوزها على أرض الواقع. ولذلك يجب على الشعب الفلسطيني أن يستعيد لحمته الوطنية من أجل استرداد عمقه العربي والإسلامي، وعدم ترك الساحة العربية والإسلامية والإقليمية للعربدة الإسرائيلية التي تسعى إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني وتركيعه لاسيما وأن هناك دعم كبير لهذا التوجه من قبل الإدارة الأمريكية.
غزة
5/2/2023