قراءة نقدية في القوائم الانتخابية

خالد محمد صافي
خالد محمد صافي

بقلم ا.د خالد محمد صافي

قد يبدو للبعض من الوهلة الأولى أنني سأقدم نقدا لشخوص بعض القوائم، أو تناول برامجها السياسية، ولكن هذا ليس ما أنوي قوله، فما اريد التركيز عليه هو قراءة في الإطار  الشامل للمشهد الانتخابي دون الخوض في تفاصيل القوائم التي لا تعنيني لا على صعيد البرامج لأنها في معظمها أما استنساخ لبرامج الفصائل الكبيرة مع إضافة الكثير من الأحلام والأوهام التي تعد قفزا عن الواقع. فلا أحد ينكر أن الكثير من هذه القوائم الهزيلة بشخوصها الذي لا يتعدى معرفتهم حدود حيهم أو منطقتهم هي قوائم ظل للفصيلين الكبيرين الذي أدى ممارستهم للسلطة على أرض الواقع إلى إشكالات في الأداء. ونقمة البعض على البعض لأنه حصد خلال الفترة السابقة الكثير من الامتيازات. اي ان قوائم الظل هي قوائم تعد مناطقية للململة الأصوات المتذمرة هنا وهناك. ومن الجدير بالذكر أن هذه الانتخابات إن جرت ستكون أكثر نزاهة من انتخابات يناير 2006م بالرغم من أنها كانت نزيهة على الصعيد الفني، ولكنها لم تكن نزيهة على الصعيد الواقعي العملي لأنها جرت بين فصيل لوث ثوبه الوطني بأداء سلطوي فاسد، وبين فصيل خارج السلطة آنذاك كان يمثل المعارضة، وصور نفسه ملاك مقابل شيطان السلكة، وقدم نفسه تغيير وإصلاح مقابل واقع قائم سيء. ولكن هذه الانتخابات تجرى الأن بين فصيلين قد لوثت السلطة ثوبهما وأدائها السياسي. فقد كرر السيد خالد مشعل وكذلك الدكتور موسى أبو مرزوق أن تجربة حكم حماس في غزة لا تعد تجربة ناجحة يبنى عليها. وهذا يعني فشل هذه التجربة التي زادت الواقع فقرا بل جحيما. وفي المقابل لم تستفد حركة فتح من قراءة هزيمتها في انتخابات 2006م، ولم تغير من واقع أدائها السيء بل ازداد سوءا. وبذلك يعتمد كل فصيل من الفصيلين الكبيرين على حسن أدائه بل يحاول الاعتماد على سوء أداء الأخر. فحركة حماس تنظر إلى كسب أصوات الضفة فيما تنظر حركة فتح إلى كسب أصوات غزة.


كما ن اتطرق إلى الكثير من الشخوص التي احتوتها القوائم التي بلغ عددها نحو 36 قائمة يزيد عدد أفرادها عن الألف، إذ أن ذلك يبرز بشكل جلي سعي الكثيرون للحصول على امتيازات المنصب أكثر من رغبة حقيقية على تغيير يدركون أنهم لا يملكون مفاتيح أبوابه. وان الكثيرين أما يعيشون أوهام التغيير الساذج، أو يعيشون تضخم الذات والأنا، أو يبحثون كما قلنا عن مكاسب شخصية. 


   النقطة المركزية التي أود تسليط الضوء عليها أن الجميع أصبح يحتكم لسقف أوسلو، وأصبحوا سواء أن أدركوا ذلك أو لم يدركوه أسرى سلطة حكم ذاتي لم تتطور لدولة، ويبدو لن تتطور لذلك وفق معطيات الواقع وسوء الأداء. وأنها أصبحت واقعا سلطة وظيفية مع نسبية الأداء وخصوصيته في الضفة الغربية أو قطاع غزة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو سؤال الشرعية الثورية ام الشرعية الديموقراطية ام الجمع بينهما، فالكثير من القوائم الانتخابية لا تمثل شرعية ثورية ولا تستند عليها رغم أن بعض شخوصها لهم ماض نضالي، ويبحثون عن استحقاق شخصي وليس وطني للأسف. كما أن العديد من الفصائل التي تستند على شرعية ثورية قد أصبحت هذه الشرعية تاريخية لا تمت للواقع بصله، فلم تعد فصائل مقاومة بل فصائل سياسية تدور كأرقام في فلك الفصيلين الكبيرين في صراعهما على قيادة الشعب الفلسطيني، وبالتالي فقدت الشرعية الثورية، وتفقد الشرعية الديموقراطية حيث أنها لوحدها لن تصل نسبة الحسم. 


   إن الانتقال من الشرعية الثورية للشرعية الديموقراطية فقط يشكل في الواقع كارثة حقيقية، وتعد اسرائيل هي المستفيد الوحيد من ذلك، إذ يعني ذلك أن الشعب الفلسطيني قد استسلم لواقعه كسلطة تحت الاحتلال، سلطة حكم ذاتي يتم تدجينها هنا وهناك أن تكون سلطة وظيفية دون أن تصل إلى مرحلة الدولة والاستقلال والسيادة. وهذا يعني الإبقاء على سلطة الحكم الذاتي وتقويتها، وتقوية تغولها على مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية كما حدث ويحدث في الواقع. والابتعاد تدريجيا عن بروز فصائل مقاومة حقيقية تكمل المشروع التحرري الوطني نحو قوائم انتخابية تقزم برامجها على قضايا محلية واقعية على حساب المشروع الوطني الذي لم يكمل مراحل إنجازه الحقيقي في السيادة والاستقلال. وهذا يعني بقاء الوضع أسيرا لإطار اتفاقية أوسلو، ولسقف سلطة حكم ذاتي لا تتعدى صلاحياتها صلاحية بلدية مدينة في دولة الكيان أو أي دولة أخرى.


    لذلك يجب إعادة نقد وتقييم الواقع، وفهم المنزلقات التي وصلنا اليها، والتركيز على إصلاح وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية الذي تم تحجيم دورها ومؤسساتها في السنوات السابقة. وإعادة الاعتبار لدورها في إكمال المشروع الوطني التحرري، وتعزيز الشرعية الثورية في مقاومة المحتل، وعدم الارتكان على محاولة تغيير واقع  قد يبقى رغم الأحلام والأوهام عصيا على الإصلاح في ظل كونه محكوم بسقف اتفق اوسلو، ومحكوم بسقف سلطة حكم ذاتي هزيلة.

غزة
2/4/202

البوابة 24