تُطِلُّ عَلَيَّ مِنَ الْغَيْمِ

تُطِلُّ عَلَيَّ مِنَ الْغَيْمِ ... خالد شوملي
مِنْ كَفِّها يَرْشَحُ الْماءُ والشَّوْقُ يَبْرُقُ
وَالشَّمْسُ نَعْسانَةٌ خَلْفَها
وَالْأَساطيرُ حاضِرَةٌ في الْغِيابْ
.....
أُحَدِّثُ نَفْسي: أَأَعْرِفُها؟
رُبَّما غَيْمَةٌ تُشْبِهُ امْرَأَةً
راقَصَتْني عَلى شاطِئِ الْبَحْرِ قَبْلَ الْحَداثَةِ
ثُمَّ تَناءَتْ عَلى قارِبٍ في الضَّبابْ
.....
تَقولُ: هِيَ امْرَأَةٌ لا شَبيهَ لَها
دَلَّلَتْنا مَعًا ذاتَ يَوْمٍ
وَقادِمَةٌ مِنْ غُموضِ الْبَعيدِ وَمَنْفى الْقَصيدِ
وَتَسْكُنُ خَلْفَ السَّحابْ
.....
أُفَكِّرُ هَلْ في حَياتي الْحَديثَةِ قابَلْتُها
حينَ كُنْتُ عَلى شاطِئِ الْبَحْرِ
أَمْ أَنَّني الْآنَ أَحْيا وَهذي الْحَياةُ هِيَ الْحُلْمُ
أَسْأَلُ نَفْسي
وَنْفْسي تُماطِلُني بِالْجَوابْ
.....
تُطِلُّ عَلَيَّ مِنَ الْغَيْمِ
في الْماءِ وَالضَّوْءِ لَوْنٌ يَسيلُ عَلى جَسَدِ الْغَيْمِ
قَوْسٌ مِنَ الْفَرَحِ الْمُنْحَني
مُدْهِشٌ في التَّآلُفِ وَالشَّكْلِ
أَوَّلُهُ في يَدَيَّ وَآخِرُهُ في يَدَيْها
كَأَنَّ الَّذي بَيْنَنا حَبْلُ شَوْقٍ
يَدورُ وَيَقْفِزُ مِنْ فَوقِهِ ـ تَحْتِهِ ـ نَجْمَةٌ وَشِهابْ
.....
تُطِلُّ عَلَيَّ وَتَسْأَلُني:
هَلْ تَذَكَّرْتَني أَمْ نَسَيْتَ الْغَريبَةَ
حينَ الْتَقَتْكَ عَلى شاطِئِ الْبَحْرِ
وَالْمَوْجُ عالٍ
وَلَمْ يَجِدِ الْحَرْفُ بَيْتًا لِكَيْ يَسْتَريحَ بِهِ وَيَنامَ
أَتَذْكُرُ كَيْفَ ارْتَخَيْنا عَلى الرَّمْلِ
وَالْبَحْرُ زَمْجَرَ
وَالْمَوْجُ طارَدَنا صاخِبًا بِالْعُبابْ
.....
تُطِلُّ عَلَيَّ
وَلا أَعْرِفُ الْآنَ إِنْ كُنْتُ حَيًّا
عَلى الْأَرْضِ أَمْشي وَأَرْنو إِلَيْها
كَما الْوَرْدُ لِلشَّمْسِ يَرْنو
أَدورُ إِلَيْها وَلا أَتَوَقَّفُ
أَوْ أَنَّني الْآنَ مَيْتٌ
وَكُلُّ الَّذي لا أراهُ تُرابْ
.....
أَمُدُّ يَدي نَحْوَها
كَيْ أَشُدَّ عَلى كَفِّها
فَتَطيرُ الْفَراشاتُ عَنْ كِتْفِها
وَأَدُلُّ عَلَيْها
أَقولُ: خُذيني إِلَيْكِ
فَإِنِّيَ لا أَسْتَطيعُ تَحَمُّلَ هذي الْمراثي
وَهذا الْيَبابْ
.....
تَقولُ: أَنا أَسْكُنُ الْغَيْمَ
وَالْغَيْمُ في سَفَرٍ مُسْتَمِرٍّ
أَطيرُ أَطيرُ وَلا هَدَفٌ لِلْمَسيرَةِ وَالطَّيَرانِ
فَلا وَطَنٌ لي سِوى سَفَري الْمُسْتَمِرِّ
مِنَ الْبِدْءِ حَتّى الْعَذابْ
.....
أُفَكِّرُ فيما تَقولُ وَفيما أَقولُ
وَأَهْمِسُ: بَعْضُ الْأَحاديثِ فيها اكْتِئابْ
.....
أُفَكِّرُ فيها
وَفي الْحُزْنِ فيما تَقولُ وَما لا تَقولُ
أُفَكِّرُ وَالْماءُ يَرْشَحُ مِنْ كَفِّها
قَبْلَ أَنْ تَغْضَبَ الشَّمْسُ مِنْها
وَأَرْنو لَها قَبْلَ أَنْ تَخْتَفي امْرَأَةٌ غَيْمَةٌ كَالسَّرابْ.

 

البوابة 24