بقلم جلال نشوان
(الاسراف والتبذير داء فتاك واهدار للمال ) الإسراف والتبذير داء فتاك يهدد الأسرة الفلسطينية، ويبدد الأموال والثروات، وهو سبب من أسباب الاستدانة . فالترف ذمّه الله تعالى وعالجه في محكم التنزيل ونهى عباده عنه والحقيقة أننا نعيش صوراً كثيرة من الإسراف والتبذير، تارة في المأكل، وتارة في الملبس، وتارة في أثاث المنزل، ناهيك عن الأكل الذي يرمى في سلة المهملات وهو عند الله تعالى عظيم! والقاعدة العامة هي الإنفاق المتوسط .. . لا تشتري الطعام بكميات كبيرة ، وانما في حدود استهلاكك من الطعام.
وفي الحقيقة أن ما تشعر به الآن من التبذير وعدم السيطرة على المصروفات هو الإسراف بعينه ولأنك شعرت بوجود هذا النمط من الفوضى يعني أنك قد خطوت الخطوة الأولى نحو أعادة الترتيب , ولأنك بدأت فعلاً بترتيب مصروفاتك وحذف الغير ضروري منها فأنك تلقائياً ستواجه اتهامات من قبل الآخرين بالبخل لكونهم تعودوا على حالة الفوضى تلك ولا يجدوا ضرورة لتركها طبقاً لقاعدة طغيان الشهوة.
لذا فأن أفضل الطرق للتغيير هو الصمت وأن تدع عملك يتكلم لأن الجدال في هكذا امر غير مجدي بل هو مضر وأن كنت زوج او زوجة فعليك أولاً بأقناع الطرف الآخر بوجهة نظرك وأن تتفقان على منهجية موحدة بالانفاق وعلى كل منكما الاستماع للطرف الآخر وأحترام رأيه فإذا تحقق ذلك فأن قوة العائلة الدائمة ستغلب قوة المجتمع المترددة . وستصل بالنهاية ان شاء الله الى الحل المناسب لك ولعائلتك في هذا المجال والوسطية في الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني ضرورة ملحة للنجاة من الوقوع في مطبّات الافراط والتفريط، فلو شرب العطشان ماءً بارداً جداً لابتلي بامراض عدة امثال اللوزتين وغيرها، ولو شرب ماءً حاراً لما تهنّأ به، ولكن لو شرب ماءً وسطا لا بارد ولا حار لتَهنأ به، لأنه ماءً رويّاً سائغاً لا ضرر فيه.. وهكذا الطعام المالح واللباس الخشن، بل وحتى العبادات!.. ولما كانت رسالة النبي محمد (ص) رسالة عالمية: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) رسالة إنسانية جاء بها للعائلة البشرية جمعاء، فانّ البشرية بأمَسّ الحاجة لهذه الوسطية في تعاملها مع الطبيعة، بما فيها المأكل والمشرب والملبس، قال الله تعالى: ( كلوا واشربوا ولا تسرفوا ).. فيا أخي الكريم: اذا انت تمكنت ، بانتقائك لخير الامور: (خير الامور اوسطها)، صارت عندك قاعدة الانفاق المتوسط في كل شيء، وصارت عندك القدرة على معالجة الاسراف بكل انواعه، وهيّأ الله لك اسباب التعايش وعدم العيش بالبذخ والاسراف خطر ببالي شيء يتعلق بموضوع الزواج وعن طقوسه التي اثقلت كاهلنا وأرهقتنا وعن الإسراف والعادات الخاطئة التي تتعلق بغلاء المهور وكثرة الطلبات من الاهل للمتقدم للزواج والتباري في فخامة بطاقات الدعوة للخطبة أو العرس، هذا بالإضافة لكثرة بدلات العروس ويمكن استبدالها ببدلة واحدة، أو استئجارها، أو تكلفة حفلة العرس نفسها والتي تستهلك أموالا نحن بغنى عنها، والاستفادة من هذه المصاريف بأشياء أكثر ضرورة تعود بالنفع على العروسين اللذان هما ببداية حياتهما ويلزمهما الأشياء الكثيرة (عش زوجي مستقر، مشروع عمل بسيط لمستقبل سعيد وهادئ) فإن كنا ننفق مصاريف لا معنى لها لإرضاء الناس، فمن سيرضينا بعد الزواج وكثرة الطلبات التي حتما سنحتاج لها؟.. وكذلك لفت انتباهي ايضا الأمثال التي يرددها البعض (اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) وفي الحقيقة هذا طرح خاطئ ، بحيث نصرف كل ما عندنا، لأننا سنحتاج يوما ما لشيء ضروري فلا نجد.
وكذلك لا أن نخبئ كل ما وهبنا الله له، فنحرم من نعمته، فنكون بخلاء ، وعلينا أن نشكر الله دائما (وبالشكر تدوم النعم... جميل جداً أن يكون الإنسان شاكراً لله, قنوعاً بما قسمه الله له, عادلاً في إدارة أمور حياته.. لا أن يكون مسرفاً القضية ياسادة يا كرام لسنا بحاجة لمجرد كلمة مدح من الآخرين.. ولسنا بحاجة لإرضاء غرور أنفسنا إن توفير ابسط مستلزمات حياتنا ومساعدة الفقراء الذين ضاقت بهم الأرض فهناك السواد الأعظم من يمتلك عزة النفس ويفضل أن يعيش شظف العيش ولا يسأل الناس ، لأن كرامته لا تسمح بذلك أليس من المعيب أن يصرف المرء كل ما لديه ومن ثم يلجأ للإستدانة ؟ عادات وتقاليد حطمت كل مناحي حياتنا وهنا يداهمنا السؤال الأكثر أهمية: كيف سيعيش الشاب المتزوج وقد أثقلته الديون والبهرحة والمصاريف التي صرفت في غير مكانها الصحيح في المناسبات يتباهي بعض الناس بأنه ذبح عجلين ، مع أنه مكث أسابيع يهرول على البنوك ، ليقترض ، وكم تسلل الى بيوت الأصدقاء ليبحث عن الكفلاء !!!!
أما بيوت العزاء فحدث ولا حرج فهناك الكثير من العادات والتقاليد التي أرهقت أقارب المتوفي ، وربما يلجأ الى الاستدانة لدفع الكثير من احتياجات العزاء ، هذا بالإضافة الى ذبح العجل في اليوم الثالث للمتوفي من أين جاءت هذه العادة أيها السادة الأفاضل؟ نحن أمام وقفة صدق وعلى الحكماء أن يبادروا بالتخفيف والتيسير على الناس فالكثير من الناس يمرون بأزمات مالية قاسية ، حيث ضاقت بهم الأرض مشكلة الإسراف والتبذير مشكلة تحصل مع الكثير من الناس، وإن الابتعاد عن الإسراف والتبذير لدى بعض الناس صعب جدا!.. ولكن بالإرادة القوية وبالإصرار يستطيع أن يصلح هذا الشيء.. لو نظر الناس بعين فاحصة كم ارهقتنا العادات والتقاليد لابتعدوا عن الإسراف والتبذير!..
إن حل المشكلة يكمن في صرف الأموال في مكانها السليم ، واستخدام متطلبات الحياة من (ماء, كهرباء, طعام, ملبس...) فيبدأ الانسان بتقليل صرفه لهذه الاشياء شيئا فشيئا، وباستمرار هذا النهج السليم ، سوف يصل الى مستوى متوسط يقتضي الحاجات الضرورية فقط. السادة الأفاضل نعيش الواقع في تقدير أمور معيشتنا، أي إن كل منا عليه أن يعلم أن ما لديه من أموال، هو رزقه من عند الله، كما أن ما عند غيره من الأموال هو رزق من عند الله.. فإذا تحقق هذا المعنى في داخل كل منا، فإنه سوف يقدر حاجته من متطلبات الحياة اليومية، بما يتناسب مع ما لديه من مدخولات. يجب أن لا نتعامل مع القضايا بشكل فردي من دون إدخال الأمور بعضها ببعض، الذي يؤدي إلى الفوضى، إن من ينظر إلى من هو أعلى منه في مستوى المعيشة (من الأهل أو الأصدقاء) سوف يطمح تلقائياً إلى التنافس معه أو مساواته، وهذا الأمر كثيراً ما يولد عند هذا الإنسان عدة حالات من اللاستقرار، فهو سوف يقوم بشراء حاجيات قد لا يحتاجها، فقط لأجل أن لا يحتقره الآخر، وهذا نوع من انعدام الثقة بالنفس. أو قد يلجأ الى الاقتراض من غير أن يفكر في هل أن الأمر يستحق أو لا.. وهناك مسألة أسوأ هي أن البعض عندما يتسوق ينظر إلى ما يتسوقه الآخرون اعلم أخي الكريم أن الأمر لا يتعلق بالماديات فقط، بل أيضا إلى المعنويات. فكل فرد محتاج لأخيه الإنسان في تخفيف أعباء الحياة عنه سواء بمعونة بسيطة أو كلمة طيبة تداوي جراحه. الإنسان في حاجة إلى مشاركة وجدانية في كل ظروف ومشاكل الحياة، في حاجة إلى من يفرح لفرحه ويحزن لحزنه، في حاجة إلى من يأخذ بيده عندما يفشل أو يسقط.. إن الله يتكفل بحاجات الجميع، فإننا حين نعطي الآخرين عطاء ماديا أو معنويا، فإننا لا ننتقص شيئا مما لنا، فالله الذي يمنح الكل، وما نحن إلا كالساقية تأخذ من بحر واسع لتغدق في قناة ضيقة.
والبحر الواسع الذي لا ينضب ليس خزائننا، لكنها خزائن الله في كل مدينة وفي كل قرية وبلدة، هناك الكثير من الحكماء الذين منحهم الله العقول الراجحة بأن يبادروا ويعملوا على اجتثاث بعض العادات والتقاليد التي أرهقت الناس وأثقلت كاهلهم وتبقى القاعدة الذهبية خير الامور اوسطها ماثلة في وجداننا وكما قال الله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا.