وأثيرت حالة من الجدل بين رواد منصات التواصل الاجتماعي على "فيسبوك"، بعد تداول صورة لضريح رائد مدرسة الإحياء والبعث في الشعر العربي، الشاعر الكبير محمود سامي البارودي، وعليها علامة إزالة، وبدورها نفت ألطاف البارودي ، سليلة عائلة الشاعر المصري الراحل، ما تردد عن إخطار السلطات التنفيذية بهدم ضريح الشاعر من قبل الأجهزة التنفيذية.
وقالت "البارودي"، في تصريحات تلفزيونية: "لم يتم إبلاغ أي من أفراد الأسرة بقرار هدم مقبرة محمود سامي البارودي، ولو حدث ذلك لعلم باقي أفراد الأسرة بذلك، فعندما يكون هناك قرار مهم يجب على الجميع أن يعلم به".
هدم قبور العباقرة
وأضافت "البارودي": "فوجئنا بوضع لافتة على قبر الشاعر الراحل بأنه سيتم إزالتها، رغم أننا كنا نتمنى أن تتحول المقبرة إلى منطقة جذب سياحي، ويفعلون ذلك في كثير من البلدان".
وتساءلت "لماذا تُزال قبور هؤلاء العباقرة وتهدر رفات هؤلاء المثقفين؟"
وأضافت "البارودي"، أن المقبرة تقع في منطقة السيدة نفيسة، وصدرت لجميع المقابر في المنطقة نفس القرار، لكن الهدم لم يتم بخلاف مقبرة الشاعر الراحل، حيث بدأت عمليات الهدم دون إخطار أحد، ولفتت إلى أن هدم المقبرة أمر سيء ترفضه الأسرة.
يشار إلى أنه في إطار الإزالة بغرض التطوير، توجد مقابر لعدد من المبدعين والرموز المصرية، من بينهم قبر الكاتب الكبير يحيى حقي، الذي تم بالفعل نقل رفاته، وتدمير قبره، ومقبرة شاعر النيل حافظ إبراهيم في مقابر السيدة نفيسة.
من هو محمود سامي البارودي ؟
ولد في 6 أكتوبر 1839 في القاهرة لعائلة من أصول شركسية، ارتبط أسلافه بالإقطاعية إيتاي البارود في محافظة البحيرة وقاموا بتحصيل الضرائب من سكانها، وكانت عائلته غنية وقوية، وكان والده ضابطا في الجيش المصري برتبة لواء، وعُين (والده) مديرا لمدينتي بربر ودنقلة في السودان، وتوفي هناك عندما كان محمود سامي في السابعة من عمره حينها.
وتعلم البارودي القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، علاوة على تعلم مبادئ النحو والصرف، وتعلم القليل من الفقه والتاريخ والحساب، حتى أنهى تعليمه الابتدائي عام 1851، عندما كانت في هذه المرحلة الأولى، كانت المدرسة الوحيدة للتعليم الابتدائي.
في سن الثانية عشرة التحق بالمدرسة الحربية عام 1852، ثم المرحلة التجهيزية للمدرسة الحربية التي تم فرزها حيث درس فن الحرب، وعلوم الدين واللغة والحساب والجبر، وهنا بدأ في إظهار شغفه بالشعر العربي وتوسع حتى أصبح رائداً في الشعر العربي الحديث الذي جدد في القصيدة العربية شكلاً ومضموناً.
تخرج من المدرسة المفروزة عام 1855 برتبة "باشجاويش" ولم يتمكن من استكمال دراسته العليا، والتحق بالجيش السلطاني، وبعدها انتقل إلى وزارة الخارجية، وفي عام 1857 سافر إلى الأستانة، حيث استطاع خلال إقامته هناك من إتقان التركية والفارسية ومطالعة آدابهما، وقد حفظ الكثير من أشعارهما، وساعدته إجادته للغة التركية والفارسية في الالتحاق بقلم كتابة السر بنظارة الخارجية التركية وظل هناك قرابة سبع سنوات من 1857 إلى 1863.
تم تعيينه محافظًا لمحافظة الشرقية في أبريل 1878 ، وسرعان ما نُقل إلى القاهرة، وكانت مصر تمر بفترة حرجة في تاريخها خلال هذه الفترة، حيث كانت البلاد غارقة في الديون، وتدخلت إنجلترا وفرنسا في مصر، بعد أن كان لديهم وزيرين في الحكومة المصرية.
وبسبب ذلك، نشطت الحركة الوطنية، وتحركت الصحافة، وظهر تيار من الوعي بقيادة جمال الدين الأفغاني لإنقاذ العالم الإسلامي من الاستعمار، وفي هذه الأجواء المشتعلة انطلق البارودي بقصائده للصراخ في أمته ودعوتها للنهوض.
وعندما تولى الخديوي توفيق الحكم عام 1879، أوكل الخدمة إلى محمد شريف باشا، فأدخل معه في الوزارة البارودي ناظرا للمعارف والأوقاف ومع التحاق البارودي بالحكومة طالب توفيق إصدار الدستور وتأييد مجلس الشورى ومع تزايد الروح الوطنية ومساحة النقد ضاق الخديوي بالبارودي مع الجميع.
وألقى الخديوي القبض على جمال الدين الأفغاني وطرده من البلاد وطرد مؤيديه وطلابه، وأجبر شريف باشا على الاستقالة، وقبض هو على زمام الوزارة، وشكلها تحت رئاسته، وأبقى البارودي في منصبه وزيرا للمعارف والأوقاف ثم وزيرا للأوقاف في وزارة رياض باشا حتى سبتمبر 1881.
وبعد عودة الشريف باشا بعد ثورة عرابي، تولى البارودي نظارة الحربية إلى جانب وزارته للأوقاف، بعد أن طالبت بها حركة الجيش الوطنية بقيادة عرابي بذلك.
بدأ البارودي إصلاح القانون العسكري مع زيادة رواتب الضباط والجنود، لكنه لم يدم طويلاً في هذا المنصب وترك الوزارة واستقال في 22 أغسطس 1881 نظرا لسوء العلاقة بينه وبين رياض باشا رئيس الوزراء، الذي شحن الخديوي ضده