بقلم د.محمد عودة
مُنذ طُرحت فلسطين كوجهة تلبي مصالح الاستعمار في تأمين ممرات التجارة ومنع وحدة العرب مضاف إليها التخلص من اليهود الأوروبيين قبل ما يقارب خمسة قرون وكل مكونات الاستعمار تروج وبكل الوسائل إلى رواية مخترعة مغلفة بنصوص دينية مشكوك في صحتها لتمرير وتجسيد الفكرة.
عمل الاستعمار وبالأساس منه بريطانيا وفرنسا على تذليل كل العقبات أمام انشاء كيان يشكل رأس حربة استعمارية ويمنع الوحدة في المنطقة ويحقق طموح الغرب في التخلص من اليهود. والملفت للنظر أن بعض اليهود ومنهم شخصيات اعتبارية يكشفون زيف الرواية ومع ذلك يتواصل الدفاع المميت عنها من قبل الاستعمار حتى وأن ثبت بالدليل القاطع زيفها.
لقد لخص المؤرخ اليهودي البرفسور شلومو ساند القصة كاملة في كتابه اختراع الشعب اليهودي.
إن غالبية مكونات المجتمع الإسرائيلي ،ساسة، أحزاب، رجال دين ونسبة لا بأس بها من العامة تخترع أساطير و روايات تعزز الرواية الاستعمارية وتدعو إلى تطهير البلاد من ساكنيها لان الله وعدهم بها (وكأن من بين صفات الله الظلم لا سمح الله أو أن الله كان يعمل في مكتب عقاري استغفر الله وحاشى لله).وهنا أجزم بأن ليس لديهم أي نية لحل عادل فمن لم يتخلى عن كُر في أحشاء حمارة مسروقة ليس من السهل أن يتخلى عن وطن مسروق والطريق الوحيد هو اجباره على التخلي عبر تجنيد كل الطاقات المحلية والدولية لإرغامه على الالتزام بالشرعية الدولية؛ وإلا سيصيبنا ما اصاب كُر حمارة كفر كلا، ففي عام 1962 تم توثيق حالة نادرة في سجلات الأمم المتحدة تحت عنوان حمارة خالتي ففي أحد الأيام من سنة 1961 وقبل بناء سياج يفصل بين قرية كفر كلا اللبنانية وفلسطين المحتلة عبرت حمارة احدى مواطنات كفر كلا الحدود المصطنعة واختفت لمدة سنة تقريباً، فقدت السيدة الأمل في العثور عليها إلا أن الحمارة عادت في تموز من صيف العام التالي 1962 تجر عربة محملة بالفواكه وعَمَدت بيت أصحابها مصحوبة بزفة من أطفال القرية فرحت السيدة وزوجها بعودة حمارتهم التي تعتبر أحد أركان الرزق لهذه العائلة.
لم تكتمل الفرحة فما هي إلا سويعات وإذ بالدرك ومعه مختار البلدة ورئيس بلديتها ونفر من قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة أتوا لاسترداد الحمارة بناء على شكوى صهيونية بأن الحمارة حامل من حمار صهيوني، وبما أن الحدود فيها الكثير من القرى الفلسطينية، فربما يكون الحمار مملوك لفلسطيني من حرفيش، فسوطة، ترشيحا، معليا وربما من يانوح.
وقصة أن يكون صهيونياً هو اختراع كاختراع الشعب اليهودي. صاحت السيدة أن الحمارة حمارتها ولن تعيدها وحصل صراخ وجلببة ،في الختام توصل الجميع إلى اتفاق من خلال مندوبي الأمم المتحدة يقضي بإعادة الحمارة إلى الكيان وبقائها هناك حتى تلد ثم تتم اعادتها بدون المولود وتم التوقيع على ذلك من كل الأطراف.
بعد ثلاثة أشهر هربت الحمارة مرة أخرى وعادت إلى كفر كلا تجر عربة فارغة لكن بجانبها كر صغير، لم يمضي وقت طويل حتى حضرت إلى المنزل قوات الدرك والبلدية والمختار والأمم المتحدة مطالبين السيدة الكلاوية بتسليم الكر الصغير الذي بدوره رفض ترك أمه وتشبث بالبقاء معها في لبنان إلا أن الضغوط والمحاولات المكوكية انتهت بقيام قوات الارتباط بربط الكر وتحميله في شاحنة عسكرية إلى مركز المراقبة في الناقورة ومن هناك عاد مأسوراً مكسور القلب باكي العين مشتت الشمل إلى الكيان الصهيوني على الرغم من ان ابوته الصهيونية لا تعدوا قصة مخترعة تماما كما الرواية الصهيونية نفسها وقد دونت الحادثة في سجلات ووثائق الأمم المتحدة..