من يوميات غريب في زمن الحرب

بقلم: شفيق التلولي

في حي الحسين القاهري العتيق يباغتني زياد خداش بالسؤال عن سليم النفار، أنظر عميقا في وجوه المارة، أحدق في أسوار خان الخليلي العريقة علني أرى إيزيس فتدلني عن سر لملمة بقايا سليم التي سحقت ذات رحلة عذاب سار وأسرته على درب أشواكه بين غزة العتيقة وصولا إلى مصير كان مجهولا.

في غير مرة سألني زياد نفس السؤال، ألا من أحد أخرج جثة سليم وأسرته من تحت الركام، اتدري يا شفيق أنني أتخيله واقفا ينحني قليلا تحت الحطام، أقول لنفسي آآه يا زياد، ربما كان يسمعنا يوم الردم المشهود فحاول ولكن.. يسترسل زياد إذن أصبح سليم عظاما؟! العقل يقول ذلك يا زياد، لكن سليم زارني في المنام ذات مرة كان يرتدي بذلته ذات اللون السمني، أخبرني أنه لم يذهب، فأسرعت إلى جمع الكتاب أزف إليهم بشرى عودة شاعر لكنه صعد إلى أن تلاشى مع الغيوم.

أعود أدراجي من "الحسين" أقلب صفحات فيس بوك أغفو حزنا بعد سماعي نبأ مرض فتحي غبن وصرخته المتحشرجة "أنا بطالب بنفسي، بدي نفسي، مخنوق، مش قادر أتنفس" ذلك عبر مرئي صادم لفنان ملأ الدنيا بريشته حكايات عن المخيم والهوية.. أذكر فتحي ولوحاته الأولى في سوق مخيم جباليا أذكره في الأسر وحديثه الذي لا ينقطع عن الفن، الليلة قاطع ابنته خلال المرئي حين تحدثت عن لوحاته مطالبا بنفسه. 

-هكذا قال عادل الأسطة في يومياته عن الحرب بعدما رأى فجر اليوم مرئي فتحي غبن عبر صفحتي فكتب ينتصر لفتحي-

أستيقظ على مناجاة يسري الغول تتسلل من مجاعة جباليا يبحث عن فتات همه نجاة مخيم عرج إليه يشبه مخيم الشاطئ مسقط رأسه من موت محقق موت الجوع يصرخ يسري في وجه العالم الصامت قبيل أن يختفي عن الشبكة العنكبوتية وصدى رسالة صوتية موجعة أرسلها إلي يطن في أذني قبل أن يمضي باحثا عن قوت لجوعى يتضورون على أرصفة الطرقات.

يا الله ما الذي فعلته بنا تلك الحرب المجنونة؟! مات شاعر ومرض فنان وجاع كاتب، وزياد يتساءل وعادل يكتب وأنا عاجز لا أتذكر غير ما ردده سليم ذات بؤس "إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه"

القاهرة ٢٠٢٤/٢/٢٤م

البوابة 24