البوابة 24

البوابة 24

حرب الثقافة الممهنجة

بقلم: شفيق التلولي 

قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مركز التوثيق والدراسات والأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، يذكر أن أصل المركز كان موجودا في بيروت، حيث صادر الاحتلال الإسرائيلي محتوياته خلال غزو لبنان و اجتياح بيروت عام ١٩٨٢م، حيث عمل الرئيس الراحل ياسر عرفات على استعادتها ضمن صفقة تبادل أسرى جرت مع حركة فتح في حينه. 

في عام ١٩٩٤م عاد جزء من محتويات المركز إلى غزة مع قدوم طلائع القوات الفلسطينية وإنشاء السلطة ااوطنية وألقيت تلك المحتويات في منطقة أنصار حيث تم انتقاء المهم منها وأعيد إنشاء المركز من جديد في غزة. 

أذكر أنني كنت قد جلبت بعضا من تلك المحتويات التي تشكلت منها نواة مكتبة حركة الشبيبة الفتحاوية آنذاك، وكنت حزينا حينها على إلقاء تلك الكتب لكنني سررت عندما أصبحت أنوية لمكتبات عدة وزدت سرورا حينما أعيد إنشاء المركز مما تبقى من تلك المحتويات، حتى أضحى يحتوى على وثائق مهمة في نواحي معرفية مختلفة، وكتيبات ووثائق أصلية.

يقول الدكتور جهاد البطش إنه شاهد بعض محتويات المركز في مكتبة الجامعة العبربة بالقدس حيث كان قد سرقها الاحتلال خلال اجتياح بيروت، كذلك شاهد جزءا آخر  من تلك الوثائق في ما يسمى بأرشيف إسرائيل.
يذكر أن للمركز فضل على معظم الباحثين، حيث كان مقصدهم خلال البحث والدراسة لما فيه من مصادر ومراجع مهمة يتميز فيها المركز الذي يحتوي على أكثر من ٥٠٠٠ عنوان في شتى المجالات الفكرية. 

كما يقول الدكتور جهاد البطش أيضا إنه يتمنى لو ينقذ ما يمكن إنقاذه منها بخاصة الشرائح الإلكترونية المتمثلة في صور لصحف إسرائيلية وبعض المجلات المطبوعة المترجمة عن صحف عبرية منذ عام ١٩٦٧م وحتى عام ١٩٨٤م، كذلك أهم ما ورد من إذاعة إسرائيل، ثم صوت إسرايل اللتان أصبحتا تسمى "مكان" وكتب بلغة عبرية أيضا ومحاضر اجتماعات الكنيست ونشرة أرشيف إسرائيل أي الكتاب السنوي التوثيقي الصادر عنه، ذلك لأكثر من ١٥ عام. 

تعد هذه الوثائق غير موجودة إلا في المركز كذلك يحتوي على دوريات الفصائل الفلسطينية وبياناتها العسكرية وهي تصلح كمادة بحثية لعشرات الرسائل العلمية، فضلا عن الكتب العلمية والأدبية والتاريخية وغيرها من المؤلفات المتنوعة.

يأتي ضرب مركز التخطيط والدراسات والتوثيق في سياق الحرب التي يشنها الاحتلال أيضاً على الثقافة والهوية الفلسطينية، فمنذ النكبة وحتى الآن والاحتلال يستهدف الثقافة الفلسطينية ومكوناتها، عبر قتل الأدباء والمبدعين، فهى حرب وجود، وهم يريدون طمس الهوية باغتيال الثقافة الفلسطينية، والشواهد كثيرة.

فى الحرب الدائرة رحاها دمر الاحتلال كل الصروح الممتدة على شاطئ بحر غزة سواء المعالم الثقافية أو الأثرية، بل وأهمها، فقد دمر المسجد العمرى الكبير، ودمر الكنائس، وقتل ٤٤ كاتباً وفناناً ومبدعاً، و٩٤ أكاديمياً وعالماً وتربوياً، وقتل أكثر من ١٥٠ صحفي؛ لطمس الصورة والقضاء على الثقافة، وكل من كان يسهم فى السردية الفلسطينية، بل ونهب جنوده ما نهبوا قبل التدمير، وسرقوا تماثيل ومنحوتات فى غاية الأهمية؛ لذلك فإن الثقافة مستهدفة بشكل كبير، إذ لم يبق فى غزة أى مؤسسة ثقافية أو مكتبة.

كيف لنا أن نتخيل تدمير كل هذا المنتج الثقافى، وما تبقى من النهب والسرقة أصبح تحت الركام؟! 
السؤال الأهم، كيف يمكننا إعادة ما دمر من صروحنا الثقافية والفكرية والعلمية من مؤسسات ومكتبات ومدارس وجامعات؟

علينا الاستمرار بالمواجهة الثقافية وحرب الوعي وعلى العالم والمنظمات الدولية وبخاصة اليونيسكو التي أقرت التراث المعنوي والمادي ضمن التراث العالمي أن تحقق الحماية الدولية لثقافتنا وتراثنا وآثارنا كإرث حضاري وتاريخي.

القاهرة ٢٠٢٤/٣/٥م

البوابة 24