الشعب الفلسطيني.. أهل قطاع غزة
بالتأكيد ستتوقف الحرب على قطاع غزة يوما ما، وسيبدأ الشعب الصابر الصامد القدوة يلملم جراحه بعد التضحيات الكبيرة والعظيمة والفاتورة الغالية التي قدمها و يقدمها ثمنا للحرية والإستقلال والكرامة. ورغم المآسي والحالة الكارثية التي تعرض لها شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة إلا انه أثبت بما لا يدع مجالا للشك إرادة إستثنائية و عزيمة لا تقهر. وقد ذاق الأمرين منذ 17 عاما من الحصار والحروب ومن إنقسام فلسطيني جعل الشعب فريسة لكل من رغب في الإفتراس. فتحية إكبار لهذا الشعب العظيم وإعتذار عن الذين تركوه وحيدا يواجه أسوأ إنقسام شهده التاريخ الفلسطيني واحدى أحقر الحروب على مر العصور.
استغلال الظروف والمكاسب
رغم جميع الخسائر بكل ما تحمله من آلام لا بد من استغلال المكاسب وعدم التعامل معها كأنها مرحلة و مرت فقد شهدت شوارع دول العالم غضبا شعبيا كبيرا وتنديدا واسعا بالحرب على قطاع غزة واستنكارا لم يشهد له مثيل لما قامت به الآلة العسكرية الصهيونية من حرب إبادة وفي المقابل اختلفت المواقف بسبب بشاعة هذه الحرب و من استهداف للأطفال والنساء تحديدا فظهر عالم جديد اكثر تأييدا للنضال الوطني الفلسطيني ودعما كاملا للفلسطينيين لنيل حقوقهم كاملة كبقية شعوب الأرض.
ولأول مرة كان لطلبة الجامعات الأمريكية دور هام في ذلك أزعج البيت الأبيض الأمريكي اضافة الى التحرك الشعبي والمؤسساتي في معظم دول العالم. و هذا عدا عن القرارات التاريخية لمحكمة العدل الدولية. ما يتطلب الان عمل وجهد كبيران منذ اللحظة التي يتم فيها ايقاف الحرب.
السلطة، الفصائل، السفارات والإتحادات النائمة
ان المطلوب الآن من السلطة الفلسطينية في هذا الشأن تنشيط العمل السياسي والدبلوماسي مع هذه التطورات في المواقف الدولية والإستعانة بشخصيات فلسطينية لها باع طويل في الساحات الدولية خاصة أوروبا. وشخصيات مقبولة قادرة على التعامل مع النظام الدولي الجديد وتتحلى بخبرة و كفاءة فمن غير المعقول البقاء والإاعتماد فقط على فرقة ( حسب الله). إذ لا بد من استغلال المواقف الدولية الجديدة و التفاعل الأوروبي مع الفلسطينيين وحقهم في إقامة دولة فلسطينية حسب جميع قرارات الشرعية الدولية وتشكيل لجان مختلفة الاختصاص تتابع هذه التطورات في جميع الساحات الدولية.
أما الفصائل جميعها فعليها ان تتوقف عن سياساتها القديمة المحصورة في الاعمال التنظيمية المهترئة واستمرار عقيم للحوارات والمناقشات والبيانات . وهذا عدا عن بعض الفصائل التي تتوجه دائما نحو التحالف والإتفاق مع اطراف فلسطينية على النقيض من الشرعية الفلسطينية بدلا من الإلتزام بالموقف العام للشرعية وفصائل منظمة التحرير، ومن القيام بمحاولة لملمة التشتت بدلا من دعم الانقسام لشراء بعض القيمة و المكانة بعد ان اصبحت مجرد اسم ولم تحترم تاريخ قياداتها التاريخية.
من ناحية اخرى فإن السفارات الفلسطينية في الخارج خاصة في اوروبا تتحمل جزء كبير وهام في متابعة ساحات اماكن تواجدها وعليها تفعيل عملها الذي يساهم في تعزيز الموقف الفلسطيني و متابعة حثيثة في هذا التوقيت بالذات لحث الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف وڤيينا و روما لبيان الممارسات الإسرائيلية و ملاحقة اسرائيل و محاسبتها على ممارساتها العنصرية. وهذا يتطلب تشكيل فرق عمل تطرح الموقف الفلسطيني وتعمل على تعزيز واستمرار الشارع الاوروبي المؤيد للقضية الفلسطينية وتوضيح المخاطر والممارسات الإسرائيلية.
وفي هذا الشأن لا بد من ان تاخذ الإتحادات المتواجدة في الساحات الدولية دورها. بدلا من ان تكون في سبات عميق وحصر اعمالها في التركيز على الأسماء والمناصب و صراع التحالفات. وبشكل خاص الجاليات الفلسطينية فان عليها مواصلة الإنخراط في الساحات و التأثير على الشارع الدولي والشعوب الأوروبية باستمرار النشاطات والمظاهرات دعما وتأييدا و الضغط من خلالها على حكومات بلدانهم لصالح تنفيذ قرارات الشرعية الدولية والتعاطي مع قرارات محكمة العدل الدولية واخص بالذكر ابناء الجاليات الفلسطينية الذي يحملون جنسيات البلدان التي يقيمون على اراضيها.
الموقف العربي والدور الفلسطيني
كان ملاحظا ان الشارع العربي لم يتفاعل مع ما تعرض له الشعب الفلسطيني وقطاع غزة تحديدا إلا ما قل و ندر على عكس الشارع في الدول الأوروبية والأمريكية وبعض الدول الأسيوية. ولم يتم فهم المعادلة هنا الا في ادراج مكاتب السياسة العربية. وهنا لا بد أن تركز الدبلوماسية الفلسطينية على أهمية وجود موقف عربي قوي في المرحلة المقبلة خاصة في مواجهة التغيير القادم المتوقع للسياسة الأمريكية والمطالبة في تنفيذ كافة القرارات الدولية، والتركيز على العمل الجاد في أهمية دعم القضية الفلسطينية التي احتلت راس الإهتمام الدولي وعدم تفويت هذه الفرصة.
لا بد من تكثيف العمل الدبلوماسي مع بعض الدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل من اجل ان تعيد هذه الدول النظر من جدوى استمرار هذه العلاقات وبالتوازي مع الدول التي تفكر في إقامة مثل هذه العلاقات لأن ما قبل قرارات محكمة العدل الدولية وما قبل قرار الكنيست لا يجب ان يكون الموقف العربي كما بعدهما.
فرصة لن تتكرر
سيعمل الاحتلال الإسرائيلي كالعادة على نسف القرارات الدولية الداعمة للقضية الفلسطينية، وسيقوم بممارسات متعددة لإفشال و تجميد هذه القرارات ومن المتوقع ان تدعم الولايات المتحدة الأمريكية كافة اجراءاتها واحياء صفقة القرن في حال تمكن ترامب من الوصول الى البيت الابيض مجددا. وما لم يكن هناك جهد دبلوماسي فلسطيني قوي في الساحة الدولية وجهد عربي مساند وداعم في المحافل الدولية و الإصرار هذه المرة على الخروج من تحت العباءة الأمريكية فسوف تستمر الولايات المتحدة الأمريكية و معها اسرائيل يتلاعبان بمستقبل الأمة العربية، انها فرصة قد لا تتكرر وتحتاج الى الإيمان المطلق بأن الكيل قد طفح وعلى اسرائيل تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية.
قطاع غزة.الناس. واللاعبون
لم تعد الظروف تحتمل بقاء و إستمرار اللاعبون المتنفذون في التحكم والسيطرة على الناس و طريقة حياتهم واسلوب ادارتهم لمستقبلهم على اعتبار ان ماتبقى يشمل المستقبل القطاع الان بلا حياة والناس وصلت الى حد فقدت فيه الأمل و معظمهم فقدوا احباء لهم أو تشوه اشكال ابناءهم وهم الان مختلفون تماما عن ما قبل الحرب.
معالجة القطاع و من فيه و معالجة الإعتقاد الواهم الذي يشعر به اللاعبون انهم وحدهم الوطنيون في هذا العالم وغيرهم مجرد دمى يجب ان تاخذ مجراها للتغيير فقطاع غزة ومن فيه بعد الحرب لن يكون كما قبلها والضفة ما بعد الحرب يجب ان تكون ليس كما قبلها.