غزة، انعدام الخيارات

بقلم: د. رياض عبدالكريم عواد

11 أغسطس 2024 تواصل إسرائيل استخدام أقصى ما تملك من وسائل الموت والتدمير لتحقيق أهدافها من هذا الطوفان، الذي تعتبره منحة من السماء ستعيد من خلاله ترتيب أوضاع المنطقة الأمنية لتضمن خلوها من اي اخطار تتهددها في العقود القادمة. لن يقتصر هدف إسرائيل من هذا الطوفان على تدمير غزة وتهجير شعبها، بل ستحول غزة إلى نموذج من الرعب تهدد به كل من يحاول المس بأمنها. رغم انقضاء عشرة أشهر على الطوفان إلا أن قوات الاحتلال مازالت تستخدم كل قوتها البرية والجوية بشكل يومي دون كلل أو ملل، أو حتى تخفيف كثافة النيران التي تطلقها لأي أسباب إنسانية كانت، لم يعد في قاموس إسرائيل اي رادع أخلاقي يحد من قدرتها على استخدام القتل في تحقيق أهدافها، هي على استعداد ان تمحو مربع كامل من أجل استهداف شخص مطلوب واحد، الأحزمة النارية التي تستخدمها بشكل متكرر أكبر دليل على ذلك. راهن أصحاب الطوفان في المرحلة السابقة على الاعتقاد بأن إسرائيل لن تطيل امد المعركة، وانها لن تستطيع أن تجتاح قطاع غزة، لأسباب كثيرة منها الخوف على الرهائن الاسرائيليين، وكذلك الخوف من المجتمع الدولي في حال سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين من اهل غزة. اثبتت الايام ان هذا رهان خاطئ وتقدير سياسي يعتمد على الأوهام بعيدا عن الواقع. كما راهن هؤلاء على قضية الرهائن الاسرائيليين وما تسببه من ضغط شعبي ومن موقف احزاب المعارضة ضد استمرار الحرب تحت دعوى إنقاذ الرهائن، من الواضح ان حكومة اسرائيل لا تبالي حتى ولو ضحت بكل الرهائن من أجل استمرار الحرب وتحقيق كل أهدافها. اما المراهنة على الضغط الامريكي أو المظاهرات التي عمت مختلف دول العالم فمن الواضح انها كانت ايضا مراهنة بائسة. لم تنفع الدماء الذكية التي تسيل كالشلال على أرض غزة في تحريك أصحاب القرار الدولي للضغط على إسرائيل من أجل وقف الحرب، لذلك من مصلحة الشعب الفلسطيني المحافظة على ارواح هذا الشعب من الموت المجاني، واتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية المدنيين من بطش آلة الحرب الإسرائيلية، هذا موت بلا فائدة. هل تستطيع العمليات الفدائية، رغم البطولة التي يبديها من يقوم بها، تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر لا يستطيع أن يتحملها، وتكون هي العامل الرئيسي في وقف الحرب وتراجع إسرائيل عن احتلال غزة. من الواضح ان الجيش الإسرائيلي استطاع أن يتأقلم مع هذه العمليات الفردية، وأن يتحمل حجم الخسائر التي تقع بين صفوفه من افراد ومعدات، وأن حجم هذه الخسائر ليس بالقدر الذي يجعلها تتحول إلى عامل ضغط استراتيجي تجبر قوات الاحتلال على وقف الحرب والتراجع عن احتلال غزة. اما خيار انتظار الرد الإيراني وحزب الله وغيرهم من منظمات المحور، فمن يراهن على ذلك لا يعرف اهداف إيران من بناء قوتها السياسية والعسكرية وتطلعها الى منافسة إسرائيل في الاستحواذ على خيرات المنطقة والتحكم بها. إيران تعمل لمصالحها لا لمصالح ادواتها. هذا رهان بائس لا يعرف صاحبه ألف باء السياسة. حتى خيار تسليم الأمر كل ل م ت ف والسلطة الفلسطينية، رغم انه خيار غير ممكن والجميع يعرف أسباب ذلك، الا انه ايضا تأخر كثيرا. لم يبق لدينا خيارات، هذا ان كنا نريد أن نكون صادقين ونوقف نزيف الدم المجاني، لا الضغط العالمي ولا دمائنا الزكية ولا مقاومتنا ولا الرهائن الاسرائيليين باتت تشكل عوامل ضغط فاعلة على قوات الاحتلال وعلى أصحاب القرار في إسرائيل. ما العمل... ننتظر يوم الخميس القادم مع المنتظرين الكثر، لنرى مفاوضات التهدئة من جديد، رغم ان الجميع يعرف مسبقا نتائج هذه المفاوضات التي ما ان تبدأ حتى تفشل للمرة الالف؟ لا خيارات نملك ولا مفاوضات تهدئة تنجح، ونحن وحيدين في الميدان، لا نملك الا دمائنا الذكية ولحمنا الذي تشويه الطائرات ويلتصق على الحيطان. هل تأخرنا في البحث عن مخرج من هذا المأزق، هل اخذتنا العزة بالاثم وصدقنا الدويري والجزيرة ومحللي السبوبة الذين استطاعوا أن يصوروا غزة وكأنها دولة عظمى بهدف تسمينها وذبحها بسكاكين إسرائيل. ما العمل، ما الحل، لقد تعبنا ولم نعد نملك اي خيار؟! لدينا خيار وحيد: إن نواصل الحسبنة والسب والشتم وتحميل الآخرين مسؤولية عدم انقاذنا وفاء للعروبة والاسلام، هذا خيار دائم لكن نتائجه صفرية؟!

البوابة 24