الطوفان، مقدمات الهزيمة

 د. رياض عبدالكريم عواد

12 أغسطس 2024

لماذا هُزمنا، مضطرين أن نشير، بادئ ذي بدء، إلى قوة العدو الذي نجابه، وقوة تحالفاته وقوة المخطط/المؤامرة الذي يتعرض لها شعبنا، منذ نهايات القرن التاسع عشر، في هذا المجال تم تأليف الكتب وكتابة المقالات ووضع الدراسات عن أهمية واولوية المشروع الصهيوني في فلسطين للغرب، هذا سبب هزيمتنا الرئيسي الذي لم نستطع كفلسطينيين وعرب أن نجابهه بتحالف قوي يستطيع أن يكون ندا لهذا المشروع، ويمنع تحققه على طريق هزيمته، رغم المحاولات الكثيرة والتي ليس هنا مجال ذكرها. غني عن القول ان الشعب الفلسطيني لم يستكين لهذه المؤامرة ولم يستسلم ولن يستسلم أمام هذا المشروع، فمقاومة الشعب الفلسطيني بدأت مع بدايات هذا المشروع ولن تتوقف مقاومته رغم الهزائم الا بتحقيق هدفها المشروع. اذن، لماذا هُزمنا في هذه الحرب الطوفان، الحرب على غزة، لا داعي اولا للتذكير باختلال موازين القوى اختلالا فاضحا وواضحا لكل صاحب بصيرة، التي تقول أن شعبا اعزلا مهما امتلك من وسائل القتال العسكرية لا يستطيع أن يواجه قوة دولة اسرائيل التي تعتبر القوة العسكرية الرابعة عالميا. كما أن هذه الحرب لم تكن خيارا لكل الشعب الفلسطيني الذي يعتقد الكثيرون منه أن مواجهة هذا الاحتلال لا يمكن أن تكون بالوسائل العسكرية والحرب التقليدية. اذن السؤال، لماذا سمحنا لهذا التنظيم، مهما كان حسن النيه وبعيدا عن نظرية المؤامرة، أن يأخذ شعبنا إلى هذا المصير، وان يضعنا في فم الغول الذي استغل هذه الفرصة لتدمير غزة ويسبب الموت لشعبها ويعرضه لخطر التهجير، إضافة إلى المعاناة التي لا يمكن وصفها أو تخيلها الا لمن يعيشها دقيقة بدقيقة. لم يكن سبب الهزيمة فقط دخول هذه الحرب، فالهزيمة تراكمت على مدار 17 سنة سوداء، كانت فيها أسباب الهزيمة تتراكم يوما بعد يوم. لم يستطع المجتمع بكل مكوناته الوقوف في وجه هذه الأسباب ويحمي نفسه ومصالحه، آلاف المتعلمين والمثقفين والكتاب واستاذة الجامعات والطلاب والتجار والعمال والمرأة والشباب، كل هذه المكونات لم تستطيع أن تحمي مصالحها المباشرة. لم يستطع التجار أن يقفوا أمام ابتزاز الضرائب والجمارك، لقد رضوا مكرهين بتقاسم ارزاقهم معهم، واستكانوا لفكرة أن المواطن هو المتضرر. كما لم يستطع الطلاب ولا المهنيين أن يقيموا حياة ديمقراطية، الانتخابات عنوانها. اثبتت جميع هذه المكونات انها مكونات هشة، فارغة من كل محتوى، الا بترديد العبارات وإعادة الكلام ورفع الشعارات، مكونات فارغة يسهل تضليلها، ويسهل شرائها برمي بعض الفتات لها. سقط الجميع تحت قوة هذا التنظيم، الذي اخذ واغرق البلاد والعباد يوما بعد يوم، وسنة بعد سنة في الطوفان. استفاد هذا التنظيم من التنظيمات المحللة التي ساعدته في السيطرة على المجتمع تحت دعوى المقاومة، لعبت الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي تحديدا، والمثقفين من هذه الاتجاهات والمثقفين الوطنيين، الذين اما ضللوا أو استفادوا من هذه الاوضاع، دورا كبيرا في تضليل المجتمع وتسهيل حكم هذا الحزب، رغم المعارضة الموسمية التي كانوا يتبنوها في بعض الأحيان. لقد كان لضعف التنظيم الرئيسي، حركة فتح، والقمع والتهم التي وجهت اليه والانقسامات والضغف الذي يعيشه، سببا رئيسيا في ضعف المجتمع. لقد تم شراء ذمم فئات واسعة من المجتمع، تشكلت مصالحهم خلال هذه السنوات الطويلة واصبحت ترى مصالحها من مصالح هذا التنظيم، تستفيد منه وتعيش على الفتات الذي يقدمه لها، بدءا ب 100 دولار العمادي وليس انتهاء بالكابونة التي توزع ليلا، أو التوظيف في الوظائف الهامشية التي تحتاج إلى تزكية امير المسجد. لقد لعب تحالف هذا التنظيم مع إيران وما يسمى محور المقاومة، الذي مده بقوة عسكرية فائقة، ضللت المجتمع وجعلته يعتقد أن النصر قاب قوسين أو أدنى، كما كانت سببا في خوف جزء اخر من المجتمع من فائق هذه القوة المفرطة. مكونات كثيرة بناها التنظيم بهدف السيطرة على المجتمع، بدءا من المؤسسة الدينية التي سيطرت على كل المساجد ومراكز تحفيظ القران ولجان الزكاة، ولعبت جميعها دورا هاما في تقديس الجهاد والموت في سبيل الله والوطن، بعيدا عن الأهداف التي يجب تحقيقها من هذه التضحية، لقد عشقت الاجيال الناشئة الجهاد والموت والشهادة. لقد تم السيطرة على المرأة والأشبال والشباب بخلق مؤسسات ترعاهم، مثل مؤسسة الطلائع، بهدف تعبئتهم بأفكار التنظيم، وتجعل منهم رديفا مهما واحتياطا استراتيجيا لقوة التنظيم العسكرية والجماهيرية. كما لعبت غرفة العمليات المشتركة وتسخير مسيرات العودة لأهداف التنظيم وحرفها عن هدفها الحقيقي، كمقاومة مدنية سلمية، إلى محاولة تحسين وضع التنظيم من خلال رفع شعار فك الحصار عن غزة، 700 قدم تعرضت للبتر في هذه المجازفة، التي لم تكن اصلا فكرتهم ولا طريقهم، لكنهم استغلوها وركبوا وسيطروا عليها. باختصار خاف المجتمع بكل مكوناته وخنع، حتى شباب بدنا نعيش، فقد زج بهم في السجون ووجهت إليهم ابشع التهم، اقلها التخابر مع رام الله، وكان مصير أغلبهم الهجرة الى اوروبا وادمان الفسفسة على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه أسباب الطوفان الحقيقة، لم نملك لا مؤسسة قوية ولا مجتمع مدني ولا قوى ناعمة تستطيع أن تقف في وجه هذا الطوفان قبل أن تعلو أمواجه، ويأخذنا التسونامي في وجهه، دون شفقة أو رحمة، دفعنا اثمانا غالية، لكنها مستحقة وتليق بنا. من هنا علينا أن نرفع القبعة لتجربة الشعب المصري الذي استطاعت مؤسسته العسكريه وقواه الناعمة أن تحمي البلاد والعباد من طوفان أشد قوة وقسوة وتأثيرا.

البوابة 24