ترجمة: د. رياض العيلة عن الاسبانية
يشرح الأستاذ الفلسطيني في جامعة كولومبيا، يوسف مسعد، بسخرية كبيرة رواية المستعمر والمحتل أن سبب "العنف" الحالي وحرب الإبادة الذي يشهده قطاع غزة في فلسطين وإسرائيل ليس نتيجة الاستعمار الإسرائيلي، بل هو نتيجة مباشرة لسوء للترجمة.(يستخدم البروفيسور يوسف مسعد السخرية كأداة لتسليط الضوء على التناقض بين الواقع وتمثيله في الخطاب السائد. عندما يقول إن العنف في إسرائيل وفلسطين هو "نتيجة لسوء ترجمة"، فهو يسخر من كيفية التلاعب باللغة لتحويل الانتباه عن الأسباب الحقيقية للصراع هو الاستعمار الإسرائيلي.. فالسخرية في كلماته تعمل كوسيلة لانتقاد الخطابات المهيمنة التي تشوه الحقيقة) بينما يفرض الاستعمار نفسه ويتوسع من خلال الاحتلال والسيطرة وسرقة الأراضي، ونهب الموارد، والفصل العنصري، والتهجير، والسجون، والتعذيب والمجازر، ويتكرر في روايته أن "الاستعمار هو السلام" و"مناهضة الاستعمار هي الحرب"، كما كتب جورج أورويل في روايته "1984". وهكذا تصبح اللغة أداة تستخدم لتبرير وإضفاء الشرعية على الهيمنة الاستعمارية، وتكريسها في شكل الإبادة الجماعية.
لذلك، فإن هدف هذه الوثيقة مزدوج: من جهة، للإشارة إلى الأحداث الأكثر أهمية التي وقعت في ذلك الجزء من العالم المعروف بفلسطين وأراضيها المحتلة، وهي أحداث غالبًا ما يتم تجاهلها أو تقديمها بشكل غير كامل في الخطاب العام والإعلامي.
أما الهدف الثاني، فهو فحص المصطلحات والتعابير المستخدمة للحديث عن هذه الحقيقة التاريخية، وكذلك المبادئ أو الأطر التفسيرية المرجعية.
هنا نطرح تساؤلات ونقوم بتصحيح هذه المصطلحات إذا لزم الأمر بطريقة منطقية. الهدف النهائي هو تحسين معرفتنا بالواقع التاريخي والحالي لفلسطين المحتلة من قِبل إسرائيل، حتى نتمكن من نقل الحقيقة بدقة.
فإسرائيل ليس لها الحق في الدفاع عن نفسها. ولا يوجد لها حق للدفاع لصفتها قوة استعمارية محتلة.
هناك العديد من قرارات الأمم المتحدة الذي يطالب جميع الأعضاء بوقف أي عمل مسلح ضد الشعوب المستعمرة (القرار 1514 لعام 1960)، وتؤكد صراحةً على شرعية وحق الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية باستخدام أي وسيلة متاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح، لمقاومة الاحتلال وتحقيق الاستقلال (القرار 2649 لعام 1970).
كما يُذكر بشكل خاص انتهاك الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وأعمال العدوان المتكررة التي ترتكبها إسرائيل ضد شعوب المنطقة (القرار 37/43 لعام 1982).
هذه القرارات ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة في مادته الأولى (الفقرة الثانية) (ذلك الميثاق الذي قام السفير الإسرائيلي بتمزيقه من على منصة الجمعية العامة في مايو 2024) تشكل الأساس القانوني للمقاومة المشروعة ضد كل استعمار، خاصةً عندما يكون الهدف هو تقرير المصير للشعوب والاستقلال،
وفقًا للقرارات 3070 لعام 1973 و45/130 لعام 1990 والبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، إذ تعترف الدول بحق الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية أو الأجنبية في "المقاومة"، بما في ذلك الكفاح المسلح، ضد الإجراءات التي تحرمهم من حقهم في تقرير المصير.
علاوة على ذلك، يعرف القانون الدولي توسيع المستوطنات (ومعها السيطرة الاستعمارية) بأنه جريمة حرب، مما يعني أن إسرائيل، بصفتها قوة محتلة، ملزمة باحترام حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وضمان سلامة جميع الأشخاص الذين هم تحت سيطرتها الفعلية نتيجة للاحتلال.
الخلاصة:
إن الشعب الفلسطيني مثل أي شعب يتعرض لمثل ظروف السيطرة الاستعمارية، ونفس العدوان، وبالتالي فهو من يمتلك الحق المعترف به تماماً في الدفاع عن نفسه ضد انتهاك حقوقه.
من غير المنطقي القول إن قوة احتلال تمارس التطهير العرقي في فلسطين منذ 76 عامًا يمكن أن تكون "تدافع عن نفسها" ضد السكان المعتدى عليهم. هذا ادعاء كاذب؛ لان إسرائيل الدولة المحتلة ليس لها "حق في الدفاع عن النفس". فقط الفلسطينيون لهم الحق في الدفاع عن أنفسهم. أي استنتاج آخر هو اختلاق بلا أساس قانوني.
إن قوة الاحتلال لا تمتلك "حق الدفاع عن النفس". بل على العكس، هي ملزمة قانونيًا: «بإعادة الأرض، والحقول، وأشجار الزيتون، والممتلكات الأخرى المصادرة لأي شخص طبيعي أو اعتباري... ووقف انتهاكها لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، والاعتراف بدولة فلسطين، وتقديم التعويضات المناسبة»:
1) إسرائيل ليست ديمقراطية لأنها، من بين
أمور أخرى، تمارس "الأبارتهايد" والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين.
لقد بنى الإعلام الغربي رواية تصور فيها الدولة الصهيونية الإسرائيلية على أنها "الديمقراطية الوحيدة في المنطقة". لكن الوقائع يقول غير ذلك.
في البداية، تعرّف إسرائيل نفسها كدولة دينية، أي أنها دولة "لليهود". وهي الدولة الوحيدة التي لم تحدد حدودها قانونيًا في دستور أو نص مكافئ. هناك العديد من القوانين التمييزية والعنصرية التي تعتبر اليهود عرقًا متفوقًا على غيرهم، وبالتالي تمارس الفصل العنصري ضد السكان غير اليهود بناءً على العرق أو الدين. وتمتد هذه التفرقة حتى لتشمل المسيحيين واليهود الذين يعارضون الأبارتهايد والصهيونية.
لقد سنت إسرائيل عدة قوانين لحماية المستوطنين اليهود الذين يحتلون الأراضي الفلسطينية وضمان هيمنتهم، بينما تنكر الحقوق غير القابلة للتصرف للفلسطينيين الذين تم طردهم من أراضيهم عام 1948 (القرار 194 للأمم المتحدة)، كما سنت قانون العودة الذي يمنح الجنسية تلقائيًا لأي يهودي في العالم بغض النظر عن مكان ولادته.
فإسرائيل منذ تأسيسها، مارست التوسع الإقليمي من خلال تشجيع استيطان اليهود، وإنشاء أحزمة تهويدية لعزل القرى والمدن الفلسطينية، وتجفيف مصادر المياه، وهدم المنازل الفلسطينية، وممارسة العقاب الجماعي، وقصف القرى، وسجن الفلسطينيين دون محاكمة، وممارسة التعذيب. وهناك العديد من التقارير التي توثق أكثر من 200 أسلوب تعذيب تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين.
2) إسرائيل منذ تأسيسها تعمل بشكل مطلق في إطار غير قانوني .
إسرائيل منذ نشأتها في 15 مايو 1948، انتهكت 78 قرارًا من قرارات الأمم المتحدة، وهو ما يعني أن لديها أكثر من عدد القرارات المنتهكة مقارنة بدول العالم الـ192 مجتمعة. ورغم ذلك، فإن الولايات المتحدة قد استخدمت حق النقض 46 مرة ضد القرارات التي تدين إسرائيل في مجلس الأمن، بينما تتواطأ أوروبا بصمتها ودعمها لإسرائيل.
على الرغم من أن البشرية استطاعت كتابة والتزام الدفاع عن حقوق الإنسان، ولم يُنفذ أي من تلك الحقوق الثلاثين للشعب الفلسطيني منذ إعلان حقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948.
وفقًا لهذا الميثاق، يحق للشعب الفلسطيني ممارسة حقه في تقرير المصير والنمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. أي، يحق لهم العيش بحرية بعيدًا عن الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، لا يحدث شيء من هذا، على الرغم من القرار 242 الذي يطالب بانسحاب إسرائيل.
يتجلى العنف الممارس من قبل قوات الاحتلال في التدمير المنهجي للمؤسسات العامة، مثل مراكز التعليم بجميع مستوياتها وقتل الكوادر المؤهلة، سواء في القطاعات الصحية أو التعليمية أو البحثية.
قوات الاحتلال والمستوطنون الإسرائيليون، من خلال مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات غير القانونية، قيدوا بشدة حرية الحركة والوصول إلى المياه والموارد الأخرى في أراضيهم. بالإضافة إلى تدمير غزة والتهجير القسري لسكانها، كما وتمنع القوات الإسرائيلية وصول أكثر من 660 ألف فلسطيني في الضفة الغربية إلى المياه الجارية، أو يحصلون على إمدادات مياه غير كافية.
يُعترف للفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم عام 1948 ولأحفادهم بالحق غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم إذا رغبوا في ذلك (القرار 194). ومع ذلك، لا يُسمح لهم بالتحرك أو العودة إلى أماكنهم الأصلية، وهو انتهاك آخر للمادة 13 (2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص على أن لكل شخص الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إليه.
3) الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني ويدمر بالكامل ظروف المعيشة للفلسطينيين، ويحاصرهم، ويمنعهم من بناء المنازل والبنية التحتية، ويحرمهم من التعليم والرعاية الصحية، ويبقيهم في مستويات فقر مدقع. وقد وصف مقرر الأمم المتحدة في عام 2007 الوضع في قطاع غزة بـ"المحرقة الفلسطينية"، وفي الآونة الأخيرة وصفت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، فرانشيسكا ألبانيز، الوضع بأنه إبادة جماعية، ودعت إلى التحقيق مع الدول التي تدعم إسرائيل بتهمة التواطؤ.
4. العلاقة بين إسرائيل وفلسطين ليست "نزاعًا"، بل هي علاقة استعمار واحتلال عسكري
يروج الخطاب الغربي لفكرة أن العلاقة بين إسرائيل وفلسطين معقدة للغاية، ولكن الحقيقة أنها بسيطة: إسرائيل موجودة للدفاع عن المصالح الغربية، خصوصًا مصالح الولايات المتحدة. الرئيس الأمريكي جو بايدن صرح ذات مرة أن "لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان على الولايات المتحدة أن تنشأ واحدة لحماية مصالحها في المنطقة".
عند تحليل المصطلحات المستخدمة لوصف العلاقة بين إسرائيل وفلسطين من منظور الغرب، تم تحويل القضية إلى "المسألة الفلسطينية"، ومنذ عام 1988، بات يُطلق عليها "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني". لكن لم يُطلق على هذه العلاقة ما هي عليه فعلاً: استعمار، احتلال وتطهير عرقي. استخدام مصطلح "نزاع" ليس مجرد مصطلح عابر، بل هو توصيف فُرض من قبل الغرب لخداع الناس وإخفاء:
1) الأدوار الحقيقية (مستعمرون، محتلون وحلفاؤهم، مقابل الشعب المستعمر والمحتل).
2) حقوق الشعب الفلسطيني، الشعب الفلسطيني أمة محتلة ومستعمرة، له الحق الكامل في الدفاع عن نفسه وفق القانون الدولي، بينما لا تمتلك القوة المستعمرة والمحتلة أي حق في الدفاع عن نفسها.
3) الحل الحقيقي لا يمكن أن يكون عبر الوساطة بين الجانبين بوساطة الولايات المتحدة، لأن في علاقة المحتل والمحتل لا يمكن أن يكون هناك حل عبر وساطة. هذه الخدعة التي تخفي الحل الحقيقي، وهو وقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بمساعدة هائلة من الدول الغربية التي تعمل بأوامر الولايات المتحدة.
4) بدأ استخدام مصطلح "النزاع" في سياق "اتفاقيات أوسلو" عام 1993، إذ تم تصوير العلاقة على أنها "نزاع" بين طرفين. وبناء على اتفاقيات اوسلو تم إنشاء السلطة الفلسطينية لتكون الطرف المقابل. وكان هناك خطة لإخفاء أهداف إسرائيل الحقيقية منذ عام 1948 وحتى اليوم وهي: الأبارتهايد، والتطهير العرقي، والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.
5). ما يحدث في قطاع غزة ليس "حربًا" بل إبادة جماعية
وفقًا لتعريف الحرب كصراع مسلح دولي، ينص القانون الإنساني الدولي على أن الحرب تتطلب مشاركة جيشين أو أكثر في صراع متكافئ، وليس جيش احتلال ضد مقاومة مسلحة. الجيش الإسرائيلي هو من أقوى وأحدث الجيوش في العالم، وهناك فجوة هائلة في القوة بينه وبين المقاومة الفلسطينية.
من الخطأ القول، إن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل اليوم هي نتيجة لأعمال حماس في 7 أكتوبر. المدنيون في غزة، الذين يعيشون تحت حصار جوي وبري وبحري، تعرضوا مرارًا للقصف الإسرائيلي في السنوات 2008-2009 (حيث قُتل 1400 فلسطيني خلال 23 يومًا)، 2012 (160 قتيلًا في 8 أيام)، 2014 (2100 قتيلًا في 50 يومًا)، وكذلك في 2016 و2021.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، أسقطت إسرائيل على قطاع غزة أكثر من 70,000 طن من القنابل، وهو مجموع يفوق ما تم إسقاطه خلال الحرب العالمية الثانية على لندن ودريسدن وهيروشيما وناجازاكي .
وأثبتت دراسات "المؤرخون الجدد" الإسرائيليون، مثل إيلان بابيه، أن إنشاء الدولة الصهيونية في إسرائيل تم على أساس طرد السكان الفلسطينيين الأصليين وارتكاب المجازر بحقهم في عملية تطهير عرقي.
وقد ارتبط مشروع الدولة اليهودية بالإبادة منذ بدايته. كما تشير المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز، إلى أن الإبادة الجماعية جزء لا يتجزأ من أي مشروع استعماري استيطاني، وبالتالي، سواء في "غزو الغرب الأمريكي" أو "غزو الصحراء" في الأرجنتين، إذ يبدأ التخطيط للإبادة الجماعية منذ اللحظة التي تُستخدم فيها عبارة "أرض بلا شعب". وفي حالة فلسطين، فإن محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة اكدتا أن إبادة جماعية تُرتكب بحق الفلسطينيين (وفق تقرير المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز).
ومن المغالطة وصف ما يجري في قطاع غزة بالحرب، وبالتالي على افتراض تساوي الطرفين في القدرة العسكرية وممارسة العنف. إن الدعم الهائل الذي تتلقاه إسرائيل من دول مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا وألمانيا، يجعل ما يحدث إبادة جماعية لا يمكن ممارستها إلا من طرف واحد، هو القوة الاحتلالية.
6). سكان المستوطنات غير الشرعية ليسوا "مدنيين" بل مستعمرون
ما يقوله القانون:
وفقًا للمادة 49(6) من اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، فقد نصت على انه "من غير القانوني استيطان الأراضي المحتلة أو نقل سكان غير أصليين إليها". لذا، فإن جميع المستوطنات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي المحتلة غير قانونية. أكبر هذه المستوطنات هي الأحياء اليهودية في القدس. أما في باقي الأراضي المحتلة، يعيش معظم المستوطنين الإسرائيليين مسلحين وتحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، وجميعهم يعيشون في مستوطنات تنتهك القانون الدولي.
هؤلاء ليسوا مدنيين وفقًا للقانون، ولا بحسب أفعالهم أيضًا.
7). قطاع غزة ليس دولة، بل جزء من الأرااضي الفلسطينية المحتلة.
قطاع غزة هو الشريط الأرضي، ومنذ عام 2006 يفي بكل الشروط ليكون "أكبر سجن مفتوح في العالم". فهو محاصر، ومراقب، ومسيطر عليه من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية. وسكان قطاع غزة يعيشون منذ ذلك الحين في ظروف مشابهة لما فعله النازيون باليهود الأوروبيين. ومنذ نوفمبر 2023، تحول قطاع غزة "الشريط الضيق" إلى أكبر معسكر إبادة في التاريخ الحديث. يعيش فيه أكثر من 2.3 مليون نسمة، نصفهم دون سن 18 عامًا.
الوضع الحالي لم يبدأ في 7 أكتوبر، بل في مايو 1948
الحقيقة التاريخية تؤكد أن احتلال الأراضي والإرهاب الصهيوني في فلسطين قد بدأ قبل سنوات من عام 1948، وهو عام النكبة المستمرة التي لم تتوقف حتى اليوم. ومع ذلك، يروج منفذو ومؤيدو ومشاركو
الإبادة الجماعية المستمرة للرواية التي تقول إن أحداث 7 أكتوبر كانت حدثًا مفاجئًا، بلا سياق أو تاريخ، وكأنها نشأت من العدم. هذه الرواية تتجاهل التاريخ وتصوير الفلسطينيين كـ "كائنات دونية" تهدد "قيمنا وسلامنا"، في خطاب يبرر كل شيء باسم "مكافحة الإرهاب".
إذا كان قطاع غزة هو أكبر سجن مفتوح في العالم وسكانه سجناء، فإن أحداث 7 أكتوبر كانت تمردًا. وإذا كان قطاع غزة أكبر معسكر اعتقال في العالم، فإن ما حدث كان انتفاضة. وإذا تم تحويل قطاع غزة إلى معسكر إبادة وسكانه يُقتلون منذ سنوات بالصواريخ والحصار، فإن 7 أكتوبر كان انتفاضة. وإذا كانت فلسطين محتلة لعقود، فإنها كانت ثورة ضد الاحتلال.
إذن، ماذا حدث في 7 أكتوبر؟ حسب الرواية الصهيونية والغربية، كان ذلك إرهابًا. لماذا؟ لأن "كل شيء إرهاب" ما لم يرتكبه المحتل. فمنذ 11 سبتمبر 2001، أصبحت الحروب التي تشنها الأقلية "المتحضرة" من العالم تتم تحت شعارات "مكافحة الإرهاب"، "والدفاع عن الديمقراطية"، و"الحماية الإنسانية". ومن المفارقات أن نيلسون مانديلا أُزيل من قائمة "الإرهابيين" فقط في عام 2008، أي بعد 16 عامًا من انتهاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
فقطاع غزة كان تحت الحصار منذ 2007، حيث تتحكم إسرائيل في كل ما يدخل ويخرج من القطاع، وتقصف سكانه كل سنتين أو ثلاث سنوات. والضفة الغربية أيضًا تخضع لنظام أبارتهايد، حيث تهاجم قوات الاحتلال والمستوطنون المسلحون السكان الفلسطينيين وتمنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية. نكرر: الاحتلال، وسرقة الأراضي، والتهجير القسري، والاعتقالات والتعذيب، والقتل والتطهير العرقي، كلها بدأت منذ أكثر من 76 عامًا.
8). الولايات المتحدة ليست وسيطًا شرعيًا لأنها جزء من المشكلة
من المهم الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ليست وسيطًا نزيهًا في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، بل هي جزء من المشكلة بسبب مصالحها في المنطقة ودعمها الكبير لإسرائيل على مر العقود.
9). معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية، بل احترام لحقوق الإنسان
معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية. معاداة السامية تعني الكراهية أو التحيز ضد الشعوب السامية، وهي الشعوب التي تتحدث اللغات السامية مثل العربية والعبرية وعدة لغات قديمة في منطقة البحر الأبيض المتوسط الشرقية. لكن الغرب وإسرائيل يتجاهلان بشكل متعمد أن الفلسطينيين أنفسهم هم أيضًا ساميون.
الدفاع عن القضية الفلسطينية وإدانة الانتهاكات الدائمة لحقوق الإنسان التي يرتكبها الكيان الصهيوني لا يعني معاداة السامية.
فالصهيونية ليست دفاعًا عن الشعب اليهودي، بل هي أيديولوجية عنصرية تروج لتفوق اليهود على الشعوب الأخرى. في جوهرها، هذه الأيديولوجية معادية للسامية نفسها، والصهاينة يرون الفلسطينيين ككائنات دونية، تمامًا كما كان النازيون يرون غير الآريين. إنهم يدافعون عن القضاء على الفلسطينيين وحتى على المستوى المادي، ويعتبرون جميع الدول المحيطة بهم أعداء.
من المهم التمييز بين اليهودية كدين، والصهيونية كأيديولوجية وحركة سياسية اتخذت الدين اليهودي وسيلة لها، وإسرائيل كدولة احتلال تمارس الأبارتهايد والإبادة الجماعية. فليس كل الصهاينة يهودًا، ولا كل اليهود يدعمون الجرائم التي ترتكب باسم الصهيونية.
وبالتالي، فإن معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية، لأن الفلسطينيين أيضًا ساميون.
معاداة السامية تعني التحيز أو الكراهية تجاه "الساميين"، وهم الأشخاص الذين يتحدثون اللغات السامية مثل العربية، والعبرية، والعديد من اللغات القديمة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. يبدو أن الغرب وإسرائيل يتعمدان تجاهل حقيقة أن الفلسطينيين أيضًا ساميون.
الدفاع عن القضية الفلسطينية وإدانة الانتهاكات المستمرة التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد حقوق الإنسان لا يُعد معاداة للسامية.
الصهيونية هي أيديولوجية عنصرية تفوقية تدافع عن تفوق اليهود على أي شعب آخر. في جوهرها، هذه الأيديولوجية نفسها معادية للسامية. الصهيونية ترى الفلسطينيين ككائنات دونية، تمامًا كما كان النازيون ينظرون إلى غير الآريين. الصهيونية تدافع عن القضاء على الفلسطينيين وحتى على المستوى الجسدي، وتعتبر جميع الدول المحيطة بإسرائيل أعداءً لها.
من المهم التمييز بين اليهودية كدين، الصهيونية كأيديولوجية وحركة سياسية، وإسرائيل كدولة احتلال تمارس الأبارتهايد والإبادة الجماعية. فليس كل الصهاينة يهودًا، ولا كل اليهود يدعمون الجرائم التي تُرتكب باسم الصهيونية.
10). الشعار "فلسطين حرة" و"من النهر إلى البحر" لا يدعو إلى الإبادة الجسدية لليهود، ولا إلى العنف ضدهم، بل يدعو إلى تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي بدعم من الغرب.
إنه دعوة لإنهاء الاحتلال والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وذلك من خلال إقامة دولة واحدة، ديمقراطية، ومتعددة الجنسيات حيث يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون بحقوق متساوية ودون الفصل العنصري.
11). المقاطعة المؤسساتية لكل الجامعات الإسرائيلية ليست خيارًا مشروعًا فحسب، بل هي إجراء إلزامي لكل الدول.
أكدت محكمة العدل الدولية في يوليو 2024 أن المقاطعة المؤسساتية للجامعات الإسرائيلية هي إجراء إلزامي، وليس مجرد خيار مشروع.
وكما أوضحت حملة PACBI (الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل)، التي تأسست في عام 2004، فإن "الأكاديمية الإسرائيلية كانت جزءًا من المؤسسة السياسية والعسكرية المهيمنة في إسرائيل، ورغم جهود قلة من الأكاديميين المبدئيين، فإنها متورطة بشكل عميق في دعم وإنكار الحقوق الفلسطينية بشكل منهجي." على سبيل المثال، طورت جامعة تل أبيب العشرات من أنظمة الأسلحة بالإضافة إلى "عقيدة الضاحية"، التي تقوم على استخدام القوة المفرطة، وهي العقيدة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي لارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين. هذا التواطؤ موثق بشكل واسع.
هذا التعاون مستمر خلال عمليات الإبادة الجماعية: فقد خرجت الجامعات الإسرائيلية العامة مرتين على الأقل (في نوفمبر 2023 ومايو 2024) لدعم إجراءات جيشها ودولتها منذ أكتوبر 2023، بهدف واضح هو تبرير هذه الأعمال أمام الرأي العام الدولي، وانتقاد الأصوات المعارضة دون أي إدانة واضحة للمجازر. جاءت الرسالة الثانية، الموجهة تحديدًا إلى مؤتمر رؤساء الجامعات الإسبانية (CRUE)، عندما كانت الأدلة على جرائم الإبادة الجماعية واضحة بشكل صارخ.
تدعو PACBI في إرشاداتها بشأن هذه المقاطعة إلى قطع العلاقات الأكاديمية من مؤسسة إلى مؤسسة (وليس ضد الباحثين بشكل فردي) مستوحاة من العزلة الدولية التي فُرضت على الأكاديمية الجنوب أفريقية خلال نظام الفصل العنصري.
12) القضية الفلسطينية لا تقتصر فقط على فلسطين، بل هي قضية جميع الشعوب المهمشة والمستغلة والمستبعدة بوحشية من قبل الاقتصاد السياسي الغربي.
احترام حقوق الإنسان هو مبدأ عالمي، وبالتالي فإن تطبيقه على الشعوب المهمشة هو مطلب لتفعيل العدالة الدولية والقانون الدولي الإنساني. الأمر يتعدى كونه مسألة تضامن بين الشعوب؛ فهو يتعلق بتنفيذ العدالة والحقوق العالمية، كما أشار الدكتور غسان أبو ستة في محاضرته في جامعة فالنسيا في 4 يونيو 2024.
سيطرة اللوبيات على السياسة الأمريكية هي مثال على ممارسة القوة السياسية والفكرية التي تمارسها الصهيونية.
13. الدول الثالثة لديها التزامات تجاه انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، ولا يمكنها البقاء محايدة.
أكدت الفتوى الاستشارية لمحكمة العدل الدولية الصادرة في 19 يوليو 2024 أن إسرائيل تنتهج سياسة غير قانونية في احتلال الأراضي الفلسطينية، وتمارس الفصل العنصري والاضطهاد ضد الشعب الفلسطيني. هذه السياسة تنتهك حق تقرير المصير، وتحظر ضم الأراضي بالقوة، وتخرق حقوق الأطفال وغيرها من الالتزامات المنصوص عليها في القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان.
ومن جهة اخرى تؤكد أيضًا الفتوى الاستشارية على التزامات جميع الدول بضرورة الامتثال والتنفيذ الواضح للأحكام السابقة للأمم المتحدة المتعلقة بالسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
14 ) على الدول الالنزام بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني وعدم المساهمة في استمراره، بشكل مباشر أو غير مباشر، والتعاون مع الأمم المتحدة لإنهائه.
لضمان الامتثال لقرار محكمة العدل الدولية، يجب على الدول مراجعة علاقاتها الدبلوماسية، والسياسية، والاقتصادية مع إسرائيل، بما في ذلك العلاقات التجارية، والاستثمارات، وصناديق التقاعد، والمنظمات غير الحكومية والعلاقات الأكاديمية. ويجب أيضًا التأكد من نشر استنتاجات محكمة العدل الدولية بشكل واسع لتفهم الإدارات أن وجود إسرائيل وأفعالها في الأراضي الفلسطينية غير قانونيين، ويجب أن يظهر هذا في الوثائق العامة والمناهج التعليمية.
15) الجامعات ملزمة بالرد ولا يمكنها البقاء على الهامش.
الجامعات الإسبانية تتحمل مسؤوليات تجاه انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي.
واستمدت الدول الثالثة التزاماتها من الفتوى الاستشارية لمحكمة العدل الدولية بتاريخ 19 يوليو 2024، والتي تشمل أيضًا الجامعات كجزء من الإدارة التي تتمتع بالاستقلالية داخل الدولة. ويتوجب على الجامعات الإسبانية أن تتوافق بوضوح مع القانون الدولي.
فالجامعات هي مراكز لنقل المعرفة والقيم العالمية، وعليها مسؤولية تكوين أفراد يلتزمون بأخلاقيات كرامة الآخر، وتعليم الطلاب كيفية فهم الأفعال التي تبدو مشروعة من الدولة ولكنها في الواقع تتعارض مع المبادئ الديناميكية والتفاعلية التي يحميها القانون الدولي.
من هذا المنطلق، يجب على الجامعة أن تُطَوِّر كل أنشطتها وعلاقاتها ضمن الالتزام الأساسي بعدم التعاون مع انتهاكات القانون الدولي ومنعها نشاط.
16) اللامبالاة أو عدم التحرك تجاه هذه الانتهاكات التي يمكن أن يجعل الجامعة متواطئة فيها.
لذا، يجب على الجامعات أن ترفض علنًا انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي وأن تمنع تطبيعها. ويتوجب عليها أيضًا الالتزام بتنفيذ هذا القانون في جميع علاقاتها. ومن الضروري قطع كل أشكال التعاون مع الجامعات، و١الكيانات، والشركات التي تسهل أو تتسامح مع أو تستفيد من انتهاكات القانون الدولي.
كما وعلى الجامعات إدخال ما يُسمى بـ"الشرط الأساسي"، الذي يضمن احترام جميع جوانب القانون الدولي، في مدونات الأخلاقيات الخاصة بالبحث وفي جميع العلاقات الأكاديمية والاقتصادية مع الجامعات، والكيانات، والشركات.
هذا الشرط يعني رفض الفكرة الخاطئة بأن تمويل التعليم والبحث منفصل عن الالتزامات الأخلاقية والقانونية التي يجب على الجامعات – كأفراد ومؤسسات – الامتثال لها. كما يشترط هذا البند على الجامعة أن تترجم أقوالها إلى أفعال، وأن تدمج التفكير النقدي والتضامن في جميع أنشطتها وعلاقاتها.
17) الولايات المتحدة ليست وسيطًا شرعيًا، بل هي متواطئة بسبب مصالحها في المنطقة.
إسرائيل تدافع عن مصالح القوة الجيوسياسية للولايات المتحدة. إذ تستمر إدارة بايدن-هاريس في تقديم الدعم المطلق لسياسة إسرائيل في الإبادة الجماعية. وهى "لا تزال تقدم دعمًا غير مشروط لإسرائيل بغض النظر عن أعمالها الدموية الأخيرة في قطاع غزة والضفة الغربية."
انتهى