بقلم محمد أحمد سالم
خواطر في زمن المحرقة.. شيئًا مروعًا...كنا كلنا نتوقع هذا، كلما فكَّرنا في تلك القضية او الخيمة التي تحيا معلَّقةً بين الأرض و السماء، ولا نرى نهايتها المذابة في الظلام. وكأن ألف حبل خفي يصل بينها وبين الشقاء ولا يحميها من السقوط، صمت معتاد...كل حي في سكنه.. الدنيا ليلًا وخيام ساكنة هامدة بجواره، هلهيل أشد سوادًا من الظلام، خيام قديمة متراصة لا تحتمل البرد ولا لهيب الصيف، متآكلة متساندة كجماعة من جثث الليل منثورا ،كتَنَاثُرُ أوْرَاقِ الخَرِيفِ، كتلة قلق حيةً جعلته يحس أن روحًا شريرة تلتفت إليها. ظلَّ مقطب الملامح، عابس القسمات، صامتًا لا ينطق وأمرً المحرقة الكبرى يحيِّره، وحزنًا مفاجئًا داهمه، رفع الشاهد رأسه مرةً وحدَّق إلى بعيد تتأرجح أنفاسه تتقارب وتتباعد، فالمحرقة كبيرة تتوهَّج وبدت بحيرة الدماء لا نهاية لاتساعها، فبعد كل محرقة تجد محرقة وبحيرة دماء أوسع. ولا ينسى السمك حلاوة الطعم. وكأنه طعنة خنجر معتادة، و ما يتكرَّر مَرَّة بعد مرّة، مُعَاد. وتصبح الأفكار في رحلة النزوح المتكرر، موحشة كئيبة مظلمة، كأنها قلب لا يدق في جثة ماتت وشبعت موتًا، والدنيا خاويةً مملوءة بفراغ متثائب لا نهاية له. يتولاه الذهول، ولكنه كان يفكِّر في كل ذلك كما يرثي الإنسان لإنسان في بلد أخر...!! يكتفي بالتحديق في الفراغ ، فالغمام كثيف يحجب كل شيئ والسماء تدَوي بأزير العشرات من المسيرات، الصوت الذي يكاد لا يغيب عن السماء، "صوت الزنانة"وهدير قاذفات القنابل. و فُوهات مدافع، بل سمع طلقات الرصاص، والقذائف قريبة ولها صفير، و تحليق المقاتلات هي كل ما يُسمع، والقلب يرفعه هواء ثقيل مضغوط ثم يُرقده بعنف خارج الجسد، والخيمة تهتز ممتلئة وكأنها نعسانة أو ميتة، والكلمات تهتز، وعيونه لا تغفو، والجو مملوء، والصرير المتصل الذي لا ينضب ولا ينقطع. قال لنفسه: كانت قرارات غير مسؤولة تركت أخدودًا دمويًّا عميقًا، خصوصًا أن البعض لم يُجرِ عملية مراجعة لهذه القرارات، فأنزلت نكبات على الجميع، إنسانياً وتاريخيّاً، نحن نتحدث عن اندثار حضاري، وعمليّة سحق القضيّة وإبادة أهلها، بل وتُضرب في عمقها ضرباتٍ قاتلة، وهناك ميكروب"مخطط الأنقسام والخراب الصهيوني" يرتدي قناع حزبي لا أول له ولا آخر؛ وخراب العُمران البشري وانفراط الهيئة الاجتماعيّة وإزاحات ديمغرافيّة عنيفة، فعل ذلك بدون عقلانيّة محضة وبعنفٍ يلائمها عادةً الذي لا يعرف حدود تصرف..ليس عارا أن يخطيء الإنسان، بل العار كله أن لا يدرك فداحة خطئه. سياسة هؤلاء هي من أضعفت القضية من داخلها، و عدم التفكير والقرار والفشل والإخفاق كلهم صناعة داخلية خالصة من الألف إلى الياء... قرار تلك الكلمة التي تسبق العمل الخطير، والأنسان الأسير، الباقي بعد الخراب الهائل، و الذي أنشب أظافره في العمار والقلوب وأسر الكثير من الصغار وحاصرهم فلا عودة لهم، وصنع المحرقة، لا شيء سوى سكون، سكون غامض قاتل مثير، مليء بأسرار وألغاز، سكون الضحايا، والأسرى ومعسكرات الاعتقال، سكون الموت مرعب مخيف، سكون الاحياء لدخول المحرقة التي عبدها الوحش الجديد. لكنه...قرارات البعض، ودجل الأخر قد تكون النسخة الغير مألوفة لصمتك وسكون فكرك، ولكن في النهاية كلها قرارات مفارقة للمنطق والحقيقة ومخدرة للعقل. لذلك لا ترفضها الآن بحُجة مخالفتها للعقل لأنك متورط بنفس المخالفة، بصمتك السلبي، حتى أذنيك، ولا تشعر بذلك، ولو شعرت وفكرت، فهناك من يقومون بترهيبك وتهديدك حتى تنتهي من ذلك وتعود إلى القطيع...!!