بقلم حمزة حماد
مراسل صحفي، ومسؤول التجمع الإعلامي الديمقراطي
تواجه الحركة الصحفية الفلسطينية استهدافا متعمدا من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة والتي تستمر ليومها الـ356 على التوالي دون تدخل دولي رادع يوقف الإجرام الغير مُحتمل، وقد طال الحياة الآدمية بكل أشكالها، مُشجعا دولة الإرهاب على مواصلة مجازرها الدموية بحق المدنيين الذين ضجت صرخاتهم كل المحافل.
أعتقد الاحتلال أنه بقتل العشرات من الصحفيين ربما يحقق هدفه في قتل الصورة واخماد الصوت الذي يفضح جرائمه التي لاقت انتقادا وادانة واسعة. ففي هذا اليوم يحيي الصحفيون وأحرار العالم «اليوم العالمي للتضامن مع الصحفي الفلسطيني» والذي يأتي في ظروف بالغة الخطورة والتعقيد خاصة بعد ارتقاء 194 شهيدًا من الصحفيين وعشرات الجرحى واعتقال 33 صحفي في سجون الاحتلال وفق (ورقة حقائق أعدها مركز الميزان لحقوق الإنسان)، والذين يواجهون أبشع أنواع التعذيب والاخفاء القسري، مشيرةً إلى منع الاحتلال وسائل الإعلام الأجنبية ومراسليها من الدخول إلى قطاع غزة بهدف طمس الحقيقة ومنع وإعاقة نقل أحداث العدوان للرأي العام الدولي.
هذه المناسبة التي أقرها الاتحاد الدولي للصحفيين في السادس والعشرين من أيلول بعد هبة النفق عام 1996م، للتأكيد على صون حرية العمل الإعلامي، وخلق بيئة إعلامية مهنية خالية من الإرهاب الإسرائيلي جراء عمليات الاستهداف المتواصلة بحق الصحفيين من عمليات قمع وقتل متعمد واعتقال دون وجه حق سوى أن هؤلاء الفرسان يصرون على نقل الحقيقة وكل الحقيقة إزاء الاعتداءات التي أقل ما يمكن وصفها بـ«المُتطرفة».
واهم إذا أعتقد الاحتلال أنه بجرائمه العنصرية والفاشية يستطيع أن يطمس الحقيقة أو يوقف مشوار نضالي قدمت خلاله الحركة الصحفية المئات من الشهداء منذ العام 2000م وأسرى قابعين خلف القضبان على طريق كشف الحقيقة وزيف رواية الاحتلال للعالم الذي ما زال يعيش دور المتفرج أمام معاناة شعبنا الذي يواجه سياسة «العقاب الجماعي»، ويواصل انتهاكه الصارخ للقانون الدولي الإنساني.
تزداد شراهة الاحتلال عامًا بعد عام في ارتكاب المزيد من المجازر الدموية بحق شعبنا، لا سيما الصحفيين جزءً منه، نتيجة غياب مبدأ المساءلة والإفلات من العقاب.
هذا الدور الذي تواصل الأجسام الصحفية الفلسطينية المناداة به وضرورة العمل عليه من أجل وضع حد لهذه الانتهاكات الجسيمة والمفضوحة أمام الرأي العام الدولي، الذي من المفترض أن يكون مناصرًا للرواية الفلسطينية الصادقة، بدلًا من الإنصات إلى روايات وذرائع إسرائيلية واهية لا تغني ولا تسمن، وتزيد الوضع الفلسطيني تعقيدًا.
لذلك اعتاد الصحفي الفلسطيني أن يعيش الظروف الصعبة والخطيرة في ظل نظام "الابارتهايد الإسرائيلي" الذي يستهدف مناحي الحياة كافة للمواطن الفلسطيني، كما أن الفكرة في الانتماء للقضية تُعزز لدى جموع الصحفيين مع اشتداد الأزمات، وهذا ما يجعل الصحفي يواصل نضاله بالكلمة الحرة المعبرة عن هموم الجماهير ونضالهم المشروع وفقا لقرارات الشرعية الدولية التي كفلت حق الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير.
فاليوم باتت تقع مسؤولية كبيرة وعظيمة على المؤسسات والمنظمات الحقوقية والدولية لفضح جرائم الاحتلال على أوسع نطاق، بما يسهم في تشكيل رأي دولي مناصر لفلسطين يعمل على إزالة القيود على حرية الإعلام ووقف الانتهاكات، وتعزيز التضامن العالمي، وتوفير الحماية الدولية الكاملة للصحفيين بموجب القرار الصادر عن مجلس الأمن (2222)، كما على المجتمع الدولي وقف انتهاكات الاحتلال لمبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني، وإجبار قوات الاحتلال الإسرائيلي على احترام السُترات الصحافية، والتحرك الفوري لضمان الإفراج عن الصحافيين المعتقلين تعسفياً
لا ضمان لوقف المجازر الدموية التي يقترفها الاحتلال إلا بمحاسبة قادته، فقد رحل الكثير من شهداء الصحافة ولم نرى سوى بيانات الإدانة والشجب والاستنكار من المؤسسات والمجتمع الدولي، أو التماهي مع رواية الاحتلال وهم يعلمون أنها تقوم على الكذب والتضليل من خلال تباطؤ الإجراءات التي تستعيد الحق الفلسطيني وتجعله في قبضة العدالة الدولية.
الفيلسوف اليوناني «هرقليطس» يقول: «دائمًا في النهاية تتغلب العدالة على منتجي الأكاذيب والشهود الزائفين»، لذلك لا مفر من تحقيق العدالة ومعاقبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، فالعالم يدرك أن الإرهاب الإسرائيلي ينتج الدمار والجرائم الإنسانية والأخلاقية، وهذا يختلف تمامًا مع القانون الدولي الذي تشكل مبادئه وقواعده حياة ناظمة وخطوة مهمة لسيادة السلام ورد الحقوق لأصحابها، لا أن نعيش في حروب مختلة الموازين، وعليه مطلوب تحرك فلسطيني وعربي ودولي ينتصر للرواية الفلسطينية.