بقلم: معروف الرفاعي
تواجه مدينة القدس تحديات استثنائية ناتجة عن التضييقات المستمرة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على المدينة وسكانها، والتي تسعى لتقويض السيادة الفلسطينية وتقليص دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ففي ظل هذا الواقع، يُلقى على عاتق محافظة القدس كأعلى تمثيل رسمي فلسطيني في المحافظة، ورجال الإصلاح وزعماء العشائر ومؤسسات المجتمع المدني في المحافظة، دورا محوريا في حماية النسيج الاجتماعي وتعزيز السلم الأهلي، وهو دور يكتسب أهمية متزايدة مع استمرار الاحتلال في وضع العقبات أمام الحلول المؤسسية والرسمية.
تُعد مدينة القدس قلب الهوية الوطنية الفلسطينية، وهي تواجه منذ عقود تحديات جسيمة بفعل سياسات الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدف المجتمع المقدسي بهدف تفكيك نسيجه الاجتماعي وإضعاف مقومات صموده، وفي ظل هذه الظروف، تتزايد الحاجة إلى تضافر الجهود الوطنية لتعزيز السلم الأهلي، وتبرز أهمية دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر، بالتعاون مع محافظة القدس والأجهزة الأمنية الفلسطينية، من أجل تحقيق الاستقرار المجتمعي وتعزيز الروابط الوطنية.
التحديات التي تواجه السلم الأهلي في القدس
1. التضييقات الأمنية: تشمل المداهمات المستمرة، والاعتقالات، والإجراءات التعسفية بحق السكان.
2. إضعاف المؤسسات الفلسطينية: حيث يسعى الاحتلال إلى تقويض عمل المؤسسات الوطنية، بما فيها الأجهزة الأمنية، مما يخلق فراغًا في معالجة القضايا المجتمعية.
3. النزاعات الداخلية: تعاني بعض المناطق من نزاعات عشائرية أو عائلية متراكمة منذ سنوات نتيجة ضعف الوساطات المجتمعية الفاعلة.
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر
رجال الإصلاح وزعماء العشائر هم القادة الطبيعيون الذين يمكنهم لعب دور ريادي في الحفاظ على السلم الأهلي في القدس من خلال :
1. إصلاح ذات البين: السعي لحل النزاعات العائلية والعشائرية بطرق سلمية تعتمد على الحوار، بعيدًا عن اللجوء إلى العنف.
2. تعزيز الوحدة الوطنية : دعم الروابط بين مختلف مكونات المجتمع المقدسي من خلال خطاب جامع يرسخ القيم الوطنية والإنسانية.
3. التنسيق مع المؤسسات الوطنية : التعاون مع محافظة القدس والأجهزة الأمنية لتحديد أولويات التدخل وحل النزاعات بطرق شفافة وعادلة.
4. تقديم النموذج الوطني : تأكيد دورهم كرموز للحياد والنزاهة، مما يعزز ثقة المجتمع بهم كمصلحين وقادة.
في هذا السياق، تأتي حملة "رحماء بينهم" التي اطلقتها محافظة القدس لتعزيز السلم الأهلي الخميس الماضي، كمبادرة وطنية مجتمعية تهدف إلى تعزيز السلم الأهلي في القدس، حيث تسعى الحملة إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، منها:
1. تعزيز ثقافة الحوار والتفاهم والتسامح بين أفراد المجتمع بمختلف فئاته.
2. ترسيخ الثقة بين المجتمع والأجهزة الأمنية لتقوية التعاون المشترك.
3. نشر الوعي حول أهمية السلم الأهلي ودوره في تحقيق الاستقرار .
4. مكافحة ظواهر العنف والتطرف من خلال التوعية والإرشاد.
5. تشجيع مشاركة الشباب في بناء مجتمع آمن ومسالم.
6. تعزيز روح المسؤولية الفردية والمجتمعية في حفظ النظام العام.
7. تعزيز دور الأسرة في غرس القيم الإيجابية والمسؤولية الاجتماعية لدى الأبناء.
8. تقوية الروابط بين الأسرة والمدرسة لتعزيز التواصل وحل المشكلات بطرق سلمية.
إن تعزيز السلم الأهلي في القدس يتطلب دعمًا شاملًا من القيادة السياسية والأمنية الفلسطينية، ويتمثل هذا الدعم في:
1. تقديم الموارد والدعم المادي لضمان استمرارية جهود محافظة القدس ورجال الإصلاح في حل النزاعات وتعزيز السلم الأهلي.
2. توفير الإسناد القانوني لضمان حماية رجال الإصلاح وزعماء العشائر من أي ضغوط أو تهديدات قد يتعرضون لها.
3. تبني حملة "رحماء بينهم" وتحويلها إلى حملة وطنية شاملة تدعمها القيادة السياسية والأمنية، وتُنفذ في كافة محافظات الوطن تحت إشراف شؤون المحافظات.
4. تعزيز دور الأجهزة الأمنية وتمكينها من التنسيق مع المجتمع المحلي لضمان بيئة آمنة ومستقرة تسهل عمليات الإصلاح المجتمعي.
في ظل التحديات التي تواجهها محافظة القدس، يصبح دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر أكثر أهمية وحتمية، وذلك من خلال التعاون مع المؤسسات الوطنية وتشكيل مجلس متخصص للسلم الأهلي، يمكن تحقيق استقرار اجتماعي يعزز من صمود سكان القدس في وجه الاحتلال، ويحافظ على هوية المدينة ووحدة مجتمعها.
ولضمان استدامة هذا الدور، تتجلى ضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي تحت مظلة محافظة القدس، ويضم في عضويته رجال الإصلاح المشهود لهم بالوطنية والشفافية والنزاهة والأمانة، بحيث يعمل هذا المجلس على:
1. إعداد استراتيجيات لحل النزاعات: تقديم آليات واضحة ومؤسسية لإصلاح الخلافات المجتمعية.
2. العمل على حل وانهاء كافة النزاعات وقضايا السلم الأهلي العالقة وغير المنتهية في المحافظة.
3. تولي حل اي مشكلة تنشأ في المحافظة والسيطرة عليها قبل تفاقمها وتطورها.
4. تعزيز الوعي المجتمعي: نشر ثقافة الحوار والسلم الأهلي من خلال تنظيم لقاءات وورش عمل في مختلف المناطق.
5. التنسيق مع الجهات الرسمية: التعاون مع الأجهزة الأمنية لتوفير بيئة آمنة تتيح معالجة القضايا بطرق سلمية.
النتائج المتوقعة
1. تعزيز الاستقرار المجتمعي: الحد من النزاعات المحلية التي قد تستغلها قوى الاحتلال لتأجيج الفتن.
2. تقوية الهوية الوطنية: ترسيخ الروابط بين سكان القدس في مواجهة المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تفتيت المجتمع.
3. تحقيق العدالة الاجتماعية: من خلال تعزيز الشفافية والنزاهة في معالجة القضايا المجتمعية.
في مواجهة محاولات الاحتلال الإسرائيلي لضرب الهوية الفلسطينية والنسيج الاجتماعي في القدس، يصبح تعزيز السلم الأهلي أولوية قصوى، إذ أن رجال الإصلاح وزعماء العشائر، بالتعاون مع محافظة القدس، هم حجر الزاوية في هذه الجهود، وبدعم القيادة السياسية والأمنية الفلسطينية والعمل على تحقيق اهداف حملة "رحماء بينهم" في محافظة القدس، يمكن تحقيق نقلة نوعية في ترسيخ الاستقرار الاجتماعي وحماية وحدة القدس ومجتمعها، حيث أن تكاتف الجهود الوطنية والمجتمعية هو السبيل الأمثل لتعزيز صمود المقدسيين وبقاء القدس عنوانًا للوحدة والصمود والتماسك المجتمعي.