الحروب أنــواع..!!

بقلم عبد الهادي شلا

نعيش حروبا متعددة الأشكال والصور على الأرض وفي سمائها، في بعضها يتردد أصوات المدافع، وهذه هي الحروب الكبيرة، ومنها ما يقض المضاجع من صراخ الأبرياء، وأخرى حروب صامتة تغلي نارها في الصدور، وأخرى... وأخرى... وهي الصغيرة التي تخلفها الكبيرة؟ 

ورغم كل ما يشعر به الإنسان من خوف مما تحمله الأيام التي اعتاد أن تفاجأه بما لا يتوقع، فإن الحياة تسير، حيث يرى البعض أن التاريخ البشري مليء بمثل هذه الحالات وأن الحروب قامت منذ بداية الخليقة،حين  بدأت بنزاع صغير بين ولدي سيدنا آدم، ولم تهدأ منذ ذلك الوقت، ولكل حرب مبرراتها وحججها التي لا تنتهي إلا بانتصار أحد الطرفين على الآخر، أو بالصلح - الاستسلام- مع العلم أن كلا الطرفان خاسران! 

أسلحة زماننا الحالي الشريرة متعددة ومتشعبة وفتاكة إن استخدمت بكامل قوتها، فالضرب قائم بحديد ساخن ليس بتدمير الإنسان جسديا فقط، بل بأساليب ناعمة أيضا، أقلها وسائل الإعلام المفتوح على كل شيء، وهي متعددة الأوجه ومتلونة وكثير منها يصيب الهدف وإن احتاج إلى وقت أطول! 

من الحروب الكبيرة أيضا، ما هو سافر وواضح في العلن، إلا أن الأخطر ما كان منها مستتراً ويعمل بصمت في الخفاء، يرسل على فترات بالونات اختبار لمشاريعه الكبرى، تنتج عنها حروب أخرى صغيرة في حدود ضيقة بين أفراد البلد الواحد حين تحقق بالونات الاختبار غايتها وتخترق عقول البعض أو ينقسموا عليها، وينحازوا ضدها، وهذه ظاهرة مدمرة اتسعت دائرتها منذ فترة ليست قصيرة. 

الحالة المفزعة، من هذا الضجيج في كل مناحي الحياة خلقت حربا صغيرة في داخل كل فرد ينام بها ويصحو عليها ولا يكاد يجد وقتا ليبدع في أقل الأشياء، فهذه الحالة التي تتغلغل وتفتت الروح لا يمكن أن تخرج من رحمها قيم جميلة ولا إبداع متناسق مع أصل طبيعة البشر من الحاجة إلى التآلف والترابط في مجتمعات متكافلة. 

هذا الفزع اليومي لا يمكن تجاهله وسط ما يحاوله البعض من تغيير اتجاه بوصلة التفكير العام من حوله، لأنه يصيب جوهر القيم السامية ويمس روح التقاليد والموروثات محاولاً التشكيك في بعضها وازدراءها بحجة تطور العصر وأدواته التي مازال البعض يتمسك بها ولكن الخوف دائما يكون على الأجيال الناشئة التي تتشبع بما يقدم لها من قيم جديدة غريبة في كل شيء فتصبح مقنعة حين تتشابك صورها  فتصير عادية يألفها الجيل ويصنع خططه بناءا عليها فيتم توجيه بوصلته إلى حيث مالم تتضح معالمه ولكن من المؤكد أنه سيطغى ويتسلط حتى يتسيد فتكون خارطته التي يتبعها، و سيكون بعضها ضرورياً لا يمكن الاستغناء عنه وهذا وجه لحرب صغيرة ناعمة يهرول عليها أصحاب الفضول الكبير!! 

اللافت للنظر في هذه الحروب الصغيرة، أن منها ما هو موجه إلى الثقافة والإبداع، وبات واضحا تسلل الأفكار غير السوية، والمتطرفة فيما يقدم عبر الكتابات والفنون التي تغير مضمونها وأسلوبها وشكلها الذي يتلقاه العامة، ولا يمكننا أن نقول إنها موجة مؤقتة تعبر عن الحالة العامة التي يعيشها العالم، لأن هذه المضامين ترسخ في عقول وأذهان الأجيال التي تتآلف معها وتعتاد عليها، فلا تجد جمالا أو إبداعا إلا فيها، وهنا يكمن الخطر حين يتم الخروج عن القيم النبيلة والسامية في الثقافة أو إلغاؤها والتمسك بالقيم التي هي أقرب إلى التهريج وضياع الوقت لتصبح الحياة مزرية، إذا ما كانت الحروب الفتاكة مصاحبة لها و تظللها. 

الخروج من شرنقة الضغوط اليومية سيحتاج إلى وقت غير منظور في القريب، وهذا يستدعي من بعض المبدعين والمثقفين الذين احتجبوا حين هبت العاصفة وآثروا الصمت أن يعودوا ويتقدموا صفوف المواجهة برؤية جديدة، وقيم متطورة تطابق حاجة العصر ويحتضنوا كل صاحب رؤية من الناشئة يتوسمون فيه خيرا لتقويم اعوجاج طرأ على الحالة الإبداعية والثقافية، وبهذا تكون الحروب الصغيرة قد واجهت فكرا مستنيرا قويما يتطلع إليه أصحاب الفضائل والمثل العليا، على أمل أن تخفف قرع طبول الحروب الكبيرة والصغيرة.

البوابة 24