بقلم:بسام صالح
في السابع من اكتوبر عام 2023 وفي مواجهة الحملة الاعلامية المنظمة التي شنها الاعلام الغربي لدعم الكيان الصهيوني وحقه في الدفاع عن نفسه امام الهجوم الذي تعرض له من فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ورفض هذا الاعلام الموجه والذي كان يرفض ويقمع كل من حاول الحديث، من خبراء ومحللين سياسيين عن اليوم السابق اي قبل الهجوم الفلسطيني على ما اسموه غلاف غزة اي المستوطنات الاستعمارية، كتبت على الفيسبوك الجملة التالية " قبل ان تدين المقاومة يجب ادانة الاحتلال" وذلك باللغتين الايطالية والعربية. لاقت هذه الجملة المفيدة والمعبرة عن موقف واضح لا غبار عليه بين الاوساط الشعبية والمتضامنة مع حق الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال في المقاومة وبكافة اشكال النضال المشروع، ويتطابق مع نص وروح القانون الدولي. وكان واضحا ان المسيرات والتظاهرات التي عمت مدن العالم كانت تعبيرا واضحا لرفض العدوان وحرب الابادة والتصفية العرقية، وكانت عملا تراكميا داعما لعدالة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
لم يتوقع احد ان يكون رد الكيان الصهيوني بالحجم وبالعدوانية الوحشية التي شاهدها العالم بالبث المباشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، عدوانية اعتمدت على نزع الانسانية وتوحيش الانسان الفلسطيني، واعتباره لا يتمتع بصفة الانسان بل عدو للانسانية وبالتالي يجب سحقه والتخلص منه، ولم يستغرب احدا من الساسة الغربيين، الا ما ندر، تصريحات جنرالات الاحتلال برغبتهم بالقاء قنبلة نووية على غزة واهلها والتخلص منهم بضربة واحدة، بل وجدنا ان الغرب الرسمي وعلى راسه الادارة الامريكية يدعم ويشارك ما يقوم به الكيان الصهيوني وعلى كافة المستويات السياسية والدبلوماسية والعسكرية دون اي حدود. وللتذكير فقط عجز ما يسمى بالنظام العالمي عن اصدار اي قرار من مجلس الامن الدولي بوقف اطلاق النار.
كانت ومازالت مستمرة ازدواجية المعايير هي السياسة السائدة عندما يتعلق الموضوع بالصراع الفلسطيني /العربي الصهيوني، وهي عكس ذلك عندما يتعلق الموضوع بالحرب الدائرة بين روسيا و اوكرانيا/ الناتو حلف شمال الاطلسي، لم تنتظر اوروبا والولايات المتحدة الكثير من الوقت لتفرض العقوبات الاقتصادية والسياسية على روسيا بل واصدرت المحكمة الجنائية الدولية امرا باعتقال الرئيس الروسي بوتين. ولم تحرك ساكنا امام رئيس الوزراء الصهيوني النتن ياهو واعضاء حكومته الفاشية وهم يمارسون الابادة الجماعية بحق اهلنا وابنائنا في قطاع غزة. الى ان تحركت جمهورية جنوب افريقيا بطلبها محاكمة قادة الكيان واستصدرت قرارا باعتقال النتن ياهو و وزير الدفاع غالنت، وبالرغم من ان القرار يلزم جميع الدول الا ان العديد من دول الغرب اعلنت ان المحكمة الجنائية منحازة بل تطاول البعض باتهامها بمعاداة السامية.
مضت 18 عشر شهرا كانت نتائج الاجرام والابادة تفوق التصور بما يمكن القول ان الخيال اصبح حقيقة و واقع نشهده على الارض دمار شامل مقتلة بلاحدود وصلت لبنان وسوريا، ولمن اصيب بعمى البصر والبصيرة، الضفة الغربية وهي الهدف الحقيقي الاول بالنسبة للكيان الصهيوني، فلم تتوقف عمليات الضم والقضم التي تقوم بها عصابات الكيان وقطعان المستوطنين المسلحين والمحميين في كافة الاراضي الفلسطينية المحتلة. والتي استهدفت بالتحديد مخيمات اللاجئين كونها تمثل وتجسد حق العودة المرسوم بالقرار 194 الصادر عن الامم المتحدة.
ثمانية عشر شهرا مضت، ولا افق لاي حل دولي ولا اي اتفاق لرؤيا فلسطينية موحدة، بل امتلاءت وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام الفصائلي بالاتهامات المتبادلة والتي عمقت الانقسام الفلسطيني افقيا وعموديا بين من يقف مع المقاومة اي حماس ومن يبحث عن المفاوضات فهو ضد المقاومة اي السلطة الفلسطينية، وللحقيقة حماس ليست المقاومة والسلطة ليست ضد المقاومة، ولا اعتقد ان هناك فلسطيني ضد المقاومة، اذا اخذنا مفهوم المقاومة بكل معانية العلمية وعدم اختزال المقاومة فقط بالمقاومة المسلحة، كوننا حركة تحرر وطني تعتمد حرب التحرير الشعبية طويلة الامد، والمرحلية في نضالها ولكل مرحلة مواصفاتها التي تفرض شكل ونوع المقاومة والتي تُقرها اغلبية الشعب الممثل بانتماءاته الفصائلية، السياسية والاجتماعية، ضمن اطار وطني وحدوي، وليس فصيلا بمفرده. وفي حالتنا الفلسطينية الراهنة لم نفقد الاطار الوطني الذي مازالت تمثله منظمة التحرير الفلسطينية بعجرها وبجرها وبكل نواقصها وعيوبها فهي بيت الكل الفلسطيني، حتى لمن عمل ويعمل على اضعافها وتدميرها، واصلاحها لا يمكن ان يكون من خارجها او بطلب من الخارج وهذا ينطبق على من يعمل ليكون بديلا عنها، وحتى من ينتقد السلطة ويخونها فهو يصارع من اجل استلام هذه السلطة، وقلائل من طالبوا بحلها حتى حماس خاضت انتخابات 2006 من اجل السلطة ومازالت تتمسك بجزء منها في غزة.
الاحداث المتسارعة منذ السابع من اكتوبر، ماثلة امام العين، الدمارالشامل في قطاعنا الحبيب، وابادة جماعية ومحاولات التهجير الطوعي و القصري لم تتوقف حتى مع اتفاق التهدئة، وفي الضفة الغربية المشروع الصهيوني للضم مازال مستمرا، والتحالف الامريكي الصهيوني لم يتوقف من بايدن الى ترامب الذي يريد الاستيلاء على غزة ومنَح الضؤ الاخضر لضم الضفة. سقطت سوريا الاسد بعد ان تم استنزاف ما كان يعرف بمحور المقاومة او وحدة الساحات، وبقي ابناء قطاع غزة بين الدمار والركام وحصار مُحكم جعل من القطاع منطقة غير قابلة للحياة، ولكن القطاع هو ارضنا وجزء من وطننا ولا بديل لنا غيره هذا ما يقوله اهل قطاع غزة، وهم قادرون على اعادة الحياة للقطاع، ولكن بيننا من يعبث بمصير القطاع بل بمصير القضية كلها من اجل بقائه وبقاء فصيله في المشهد السياسي الفلسطيني دون اي اعتبار لمعاناة اهلنا في القطاع او ما تتعرض له قضيتنا من محاولات التصفية.
نعم الاحتلال وحلفاؤه يتحملون المسؤولية الكاملة عن الابادة والمقتلة والدمار والتهجير. ولكن من يتحمل اعباء الصمود والبقاء على ارض الوطن؟ من يتحمل استمرار الانقسام؟ ومن يتحمل ما يُقدم من تنازلات وطنية في مفاوضات مشبوه مع الادارة الامريكية الداعمة للتهجير والسطو على القطاع مقابل البقاء ؟ ومن يتحمل مسؤولية الالتفاف على المشروع العربي لاعادة تأهيل واعمار القطاع، بتقديم مشاريع بديلة للادارة الامريكية؟
النظام العالمي في حالة من السيولة والفوضى، تسوده المصالح وتقاسم النفوذ الاستراتيجي و قد يشهد تغيرات جذرية في العديد من مناطق العالم، اين موقعنا في هذا النظام الجديد دون وحدتنا الوطنية؟ وهل مازلنا نضع كل البيض في سلة العم سام الامريكي؟