البوابة 24 / نيفين اسليم
بين الخيام المكتظة في مخيمات النزوح بقطاع غزة، تعيش آلاف الفتيات واقعًا يوميًا مريرًا، تتلاشى فيه أبسط مقومات الحياة الكريمة، وتتحول حياتهن إلى مجرد سلسلة طويلة من الانتظار في طوابير المياه وتكيات الطعام، مع خسارة مؤلمة لخصوصيتهن الشخصية في عالم أصبحت فيه الخيمة بيتًا، والحمامات الجماعية مكانًا لإذابة آخر ملامح الخصوصية والكرامة.
طوابير المياه: انتظارٌ لا ينتهي
في كل صباح، وقبل أن تشرق شمس غزة، تستيقظ مني يوسف ، ذات الأربعة عشر عامًا، لتلتحق بطابور طويل لاستخراج بضعة ليترات من المياه. تقف بصبرٍ لساعات طويلة، حاملةً وعاءً بلاستيكيًا أثقل من قدرتها على التحمل، وتنظر إلى من أمامها وخلفها، بينما قدماها الصغيرتان بالكاد تحملان جسدها النحيل.
تقول مني بحزنٍ واضح في صوتها: "أقف هنا لساعات كل يوم من أجل الحصول على ماء قليل، أحيانًا أصل إلى دوري لأجد الماء قد نفد. وقتها لا أعرف ماذا أفعل سوى العودة للخيمة فارغة اليدين."
حال مني يمثل حياة الآلاف من الفتيات اللواتي يواجهن هذه المعاناة يوميًا، بين صبرٍ إجبارى وانتظارٍ قاتل.
تكيات الطعام: الجوع والكرامة المفقودة
ليست المياه وحدها التي تفرض على الفتيات طوابير الانتظار، بل الطعام أيضًا. في طابور طويل آخر أمام تكيات الطعام، تقف غزل السيقلي ذات الثلاث عشر عامًا، تحاول جاهدةً تغطية وجهها بخجلٍ شديد، محاولةً تجنّب نظرات المارة. تقول بصوت منخفض:
"أشعر بالخجل كل يوم عندما أقف في هذه الطوابير، لكن الجوع لا يرحم. في أوقات كثيرة ننتظر ساعات طويلة لنحصل على وجبة واحدة صغيرة بالكاد تكفي عائلتنا."
هنا تصبح الكرامة مجرد حلم بعيد، في ظل واقع أليم تُسلب فيه إنسانية الفتيات تحت وطأة الحاجة اليومية.
حياة الخيام: خصوصيةٌ غائبة وأحلامٌ مُعلَّقة
بين جدران الخيمة القماشية التي لا تكاد تحجب أصوات الآخرين، تنعدم خصوصية الفتيات بشكل كامل لمي عصام الفتاة ذات السابعة عشر عامًا، تقول وهي تحاول إخفاء دموعها:
"لم يعد لدي مكانٌ خاص، أنام وأستيقظ مع عشرات الغرباء من حولي، لا أستطيع حتى تغيير ملابسي دون خوف وايضا وجود إخوة لي بالغين داخل الخيمة الصغيرة كل شيء هنا يحدث أمام الجميع."
الخيمة التي يفترض أن تحمي الفتيات أصبحت مصدرًا لخوفهن وانعدام الأمان لديهن، إذ تحولت حياتهن اليومية إلى مواجهة دائمة مع الإحساس بالعجز وانعدام الخصوصية.
الحمامات الجماعية: معاناةٌ متجددة وانتهاكٌ للخصوصية
ولعل أصعب المشاهد وأكثرها إيلامًا في حياة الفتيات داخل المخيمات هو اضطرارهن لاستخدام الحمامات الجماعية داخل المخيمات المغلقة . هنا تختفي أبسط الحقوق الشخصية وتُجبر الفتاة على مواجهة وضع يجرح كرامتها وخصوصيتها يوميًا.
تقول ر.ع ذات التاسعة عشر عامًا، وعيناها تلمعان بحزنٍ وخجل شديدين: طيب "في كل مرة أذهب إلى الحمامات الجماعية، أشعر بالخوف الشديد والقلق. المكان مزدحم وغير آمن، لا يوجد خصوصية، أشعر بالخجل الدائم والقلق من أن يراقبني أحد."
معاناة روان ليست استثناءً، بل هي الواقع المؤلم لعشرات الآلاف من الفتيات النازحات.
وأفاد د.أحمد عيد أخصائى صحة نفسية أنه في خيام النزوح، لا تقتصر معاناة الفتيات على فقدان البيت والتعليم، بل تمتد إلى أعماق النفس. القلق، الاكتئاب، والصدمات النفسية باتت جزءًا من يومياتهن في ظل غياب الخصوصية والأمان.
لمواجهة هذه الأزمة، هناك حاجة ملحّة لـدعم نفسي عاجل، وإنشاء مساحات آمنة، وتحسين البنية التحتية للمخيمات بما يحفظ كرامتهن.
المجتمع الدولي مطالب اليوم بأكثر من التعاطف، فهو مسؤول عن تمويل برامج الصحة النفسية، الضغط لإنهاء أسباب النزوح، ونقل صوت الفتيات إلى العالم.
كرامة الفتاة النازحة لا تُحمى بالمأوى فقط، بل بالدعم النفسي الذي يصون إنسانيتها.