هل فشل الاحتلال فعلا في تحقيق أهدافه في غزة؟

بقلم/ إحسان بدرة

صحفي وناشط سياسي

ليس غريب أن أوعنون مقال بصيغة سؤال؟ فهذا هو الواقع الذي يفرض الأسئلة في الإبادة في غزة ... منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023 ظهر خطاب إعلامي فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها في غزة وتكرر هذا على لسان القادة الإسرائيلين من رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة وتكرر هذا من قادة حماس والمتحدثيين باسمها في كل مكان بل الأمر تعدى ذلك حيث تم تناول هذه السردية بلهجة تقريري وتحليل من محللين عسكريين واستراتيجين عبر قناة الجزيرة والقنوات الإسرائيلية وقد راج هذا التوصيف في الأوساط العربية والدولية وكأنه خلاصة محايدة وموضوعية .. فهذا الخطاب في الحقيقة الواقعية والمنطقية ٠المعرفية بمواضع الكلمات والحروف والمعاني هو بلغة خادعة ويسهم في استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة عن وعي أو عن جهل .. هذا المصطلح واستخدامه من أكثر من طرف مشاركين في هذه الحرب يعيد إنتاج جريمة القتل والدم في قطاع غزة منذ أكثر من عام .. وهل الفشل مبرر لاستمرار في الجريمة!؟ وهل العدوان على شعب محاصر ي صف على أنه معركة متكافئة وتقاس بالانتظار والهزيمة أو بالفشل والنجاح؟. قطاع غزة منطقة فلسطينية صغيرة و محاصرة وخاضعة للاحتلال منذ سنين ويمارس علها عدوان متعدد الأشكال منذ سيطرت عليها حماس بانقلاب مدعوم من سلطة الاحتلال ومن قوى إقليمية بهدف اضعاف القرار الفلسطيني المستقل. فطوفان الأقصى والتي بادرت فيه حماس في السابع من أكتوبر 2023 استغل من الاحتلال كمبرر و ذريعة لأعلان حرب الإبادة الجماعية وتهجير السكان من غزة وإنهاء الحياة. وهنا ومن واقع الحقيقة فالاحتلال الإسرائيلي لم يفشل والنتائج على الأرض تثبت هذا فهذه ليس حرب بل معركة إبادة والأرقام وحدها تكذب من يزعم أن الاحتلال لم ينجح في تحقيق أهدافه :- - أكثر من 200 ألف إنسان بين شهيد وجريح وأسير ومفقود. - أكثر من 70% من البنية التحتية في القطاع دُمّرت كليًا أو جزئيًا. - نزوح قسري جماعي لمليوني إنسان بلا مأوى ولا ضمانات للعودة خيث دمرت مساكنهم عن بكرتها . - انهيار منظومة الصحة، والتعليم، والخدمات الأساسية. - تحويل غزة إلى بيئة غير صالحة وغير قابلة للحياة زطاردة للسكان . إن كان هذا فشلًا، فما هو النجاح؟! بتحليل هذا الواقع وفق مصطلح الفشل والنجاح هو تضليل وتضامن مع جريمة الإبادة والتحليل الذي يتحدث عن "فشل العدو" دون الاشارة لما يحدث بوضوح وموضوعية إنما يشكل تواطؤا لغويا ومعنويا وتحليل سياسي غبي مع ما تعرضت له غزة ومازالت تتعرض لأكثر منه .. والإصرار على اعتماد هذا المصطلح وهذا المعني من أطراف الصراع ومحللي المشهد ما هو إلا تجميل لفظي لجريمة حرب مكتملة الأركان وتنفيذ هولوكست جديد بحق مواطنين قطاع غزة ألمراد منه خداع الرأى العام ويجعل من الجريمة مشهدا "قيد المراجعة" بدل من أن يكون المشهد موضع إدانة مطلقة. والتحليل بهذه اللغة وبهذا المفهوم والمراد منه لا يفسر الواقع حقيقية بل يعمل على إعادة ترميزه. ويحوله لمشروع غير مكتمل والمطلوب من الاحتلال أن يحسن من الأداء العسكري ولا أن يتوقف عن القتل والتدمير. التخريب . ولمواجهة هذا لابد من خطاب الحقيقة لا الحياد الكاذب فالحياة في الحالة الفلسطينية وبهذا الشكل المرعب والظلم المباشر هو مشاركة بالجريمة والتماهي مع حرب الابادة من بعض المحللين وصفها. انتصار هو جريمة خداع وتضليل. فاليوم ليس مطلوب تقييم أداء المعتدي هل نحج أم فشل في تحقيق أهدافه المعلن بل مطلوب وبكل مصداقية وموضوعية الوقوف وبشكل جاد وصارم في وجه الاحتلال ومشروع الابادي التهجيري الإحلالي العنصري . فجريمة الإبادة الجماعية والتي مازالت مستمرة ضد الإنسانية في قطاع غزة منذ عام وأكثر لا تقاس بكيفية الأداء العسكري بل لا بد التعامل مع الحقيقة الواقعية وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية والواقعية على الأرض فما يجري بغزة هو جريمة حرب وآبادة جماعية تتم بمراحلها وفصولها الإجرامية والمطلوب فضح كل خطاب يبرر أو يخفف أو يفرع هذه الجريمة وهذه الحرب من الجوهر والمضمون ويحوله لانتصارات كاذبة وزائفة ويجب ومن الضرو ي استعادة لغة الضحية وتقديم الرواية من واقع الجرح لا من خلف المكاتب وعبر استوديوهات القنوات التلفزيونية المعروف توجهها . فلا تحليل فوق نزيف الدم النازف وحين يتحول التحليل من المحللين المضللين والمستفيدين من الأحداث والمستثمرين للمعاناة لستار فوق الواقع والمشهد الإجرامي يصبح شركا في جريمة الابادة . فغزة ومشهدها اليومي ليس ميدان للتحليل بل شاهد على انحدار العالم وسقوط الأخلاق الإنسانية ... كفى تبرير وكفى تواطؤا مع المجرم وكفي قتلا باسم التحليل المضلل وكفي تزيف للحقيقة والواقع باسم فشل العدوان وفشل نتنياهو في تحقيق أهدافه المعلنة من حربه على قطاع غزة وتصوير غزة منتصرة والاحتلال مهزوم وفي حالة عزلة دولية .!!! وحين تُوزن الإبادة بمقاييس "الفشل" و"النجاح"، نفقد إنسانيتنا.

البوابة 24