بعد استهداف "الأوروبي".. "الموت" على مسافة "صفر" من مرضى السرطان بغزة!

المريضة أسماء بريكة
المريضة أسماء بريكة

غزة/ البوابة 24- أحلام عبد القادر:

"يقصفونا بالنووي ويخلصونا"، بغضب شديد تحدثت الخمسينية أسماء بريكة، وقد بلغ اليأس منها مبلغه. لقد باتت -حسبما تصف- على مسافة "صفر" من الموت، وبدون أي وجهة للعلاج أو "أمل"، بعد خروج "مستشفى غزة الأوروبي" في جنوبي قطاع غزة عن الخدمة.

كان هذا المستشفى آخر ما يربط مرضى السرطان بالحياة، وأسماء من بينهم، كانت معهم تنتظر أن تتاح لها الفرصة للسفر والعلاج بالخارج من مرض السرطان، الذي تفشى في جسدها من الثدي إلى الكبد والرئة، منذ أن اكتشفته –لأول مرة- قبل نحو عامٍ ونصف.

ويجافي النوم عينَي هذه المريضة منذ الاستهداف العنيف بحزامٍ ناري، شنته طائرات حربية إسرائيلية على مستشفى غزة الأوروبي، الواقع في جنوب شرقي مدينة خان يونس، جنوبي القطاع، في الثالث عشر من مايو/أيار الجاري، وهو الوحيد الذي يقدم خدمات طبية لمرضى السرطان بعد تدمير الاحتلال "مستشفى الصداقة الفلسطيني التركي" في مدينة غزة، وإخراجه من الخدمة كليًا، وفق تقييم وزارة الصحة بغزة.

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن توقف العمل في "الأوروبي" تسبب في "توقف خدمات حيوية كثيرة، بما في ذلك جراحة الأعصاب والرعاية القلبية وعلاج السرطان، وهي خدمات غير متوفرة بأنحاء أخرى من قطاع غزة".

حياة متأرجحة

على سرير في قسم الباطنة بمجمع ناصر الطبي، تُلقي المريضة بريكة بجسدها المنهك، منذ أن نقلتها سيارات الإسعاف ومريضات ومرضى آخرين من "الأوروبي"، حيث قررت إدارته إخلاءه من المرضى، إثر تعرضه للاستهداف المباشر.

بلسان مثقل بالألم، وبكلمات قليلة تكابد من أجل نطقها وهي تلهث كمن ركض لمسافة طويلة، تقول بريكة لـ"البوابة 24": "الوضع هنا سيء جدًا (..) مجمع ناصر لا يحتمل كل هذا الضغط من المرضى، وليس مخصصًا لمثل حالتي كمريضة سرطان، وبالأمس شعرت بالموت وأنا بانتظار مسكن من آلام شديدة".

لا يتوفر في مجمع ناصر مركز خاص بالأورام، ويتملك القلق قلب هذه المريضة. تقول: "في الأوروبي يوجد مركز مختص بالأورام، ورغم الحرب والحصار، إلا أن الرعاية والخدمة الطبية أفضل بكثير بالنسبة لمرضى السرطان".

بريكة هي أم لثمانية أبناء، ولدان و6 بنات، وبينما هي أسيرة المستشفى، تقيم أسرتها في خيمة بمنطقة مواصي خان يونس، لجأت إليها بعد نزوحها من منطقة "بطن السمين" جنوبي المدينة، وبألم شديد تخبرنا: "لا أتمنى إلا السفر والعلاج من أجل أطفالي".

ومنذ شهور طويلة تمتلك بريكة تحويلة طبية للسفر والعلاج بالخارج، غير أن تطورات الحرب حرمتها من السفر، مع إقدام الاحتلال على اجتياح مدينة رفح واحتلالها منذ ما يزيد على عام، وإغلاق معبر رفح البري مع مصر، وهو المنفذ الوحيد للغزيين على العالم الخارجي.

حكم بالإعدام

وإلى جوار بريكة، جلست المريضة تهاني أبو مصطفى (38 عامًا)، في حالة إعياء شديدة، جرّاء معاناتها من مرض السرطان في البطن، الذي اكتشفتهُ بعد استشهاد زوجها في العام الأول للحرب.

تحاملت أبو مصطفى على آلامها، وبكلمات قليلة تحدثت لـ"البوابة 24" وكأنها تنتزعها انتزاعًا من قعر قلبها، قالت: "أشعر بقلق شديد على أبنائي الستة إن فارقت الحياة (..) قلقي ازداد بعد خروج مستشفى غزة الأوروبي من الخدمة، وعدم توفر العلاج الخاص بمرضى السرطان في أي مكان آخر داخل القطاع".

وتضيف: "كل يوم أشعر أن الموت يكاد يخطفني"، وتصف استهداف "الأوروبي" وخروجه من الخدمة بأنه "حكم بالإعدام" على نحو 10 آلاف مريضة ومريض بالسرطان، لا يتوفر لهم أي مكان آخر لتلقي العلاج داخل القطاع.

وأسماء وتهاني من بين زهاء 25 ألفًا من المرضى والجرحى ينتظرون فرصة السفر على قوائم العلاج بالخارج، من بينهم نحو 12 ألفًا مسجلين على قوائم منظمة الصحة العالمية، وتستدعي حالاتهم الصحية السفر العاجل وتلقي علاجات منقذة للحياة، لا تتوفر في المستشفيات شبه المنهارة في القطاع.

فرائس للمرض والموت

ويؤكد مدير تمريض مركز غزة للسرطان التابع لوزارة الصحة طارق المحروق على مخاوف مرضى السرطان، ويقول لـ"البوابة 24": إن "خطرًا حقيقيًا يُحدِق بآلاف مرضى السرطان والأورام"، بعد استهداف الاحتلال لمستشفى غزة الأوروبي وإلحاق أضرار جسيمة ببنيته التحتية وأقسامه الداخلية، وخروجه من الخدمة.

وكان قرار إجلاء المرضى من "الأوروبي" نحو "ناصر" اضطراريًا، وفق المحروق؛ لعدم توفر خيارات أخرى، وبرأيه "فإن ذلك ينضوي على مخاطر حقيقية على حياتهم، حيث أن مجمع ناصر غير مؤهل للتعامل مع الأمراض السرطانية والأورام".

وشهدت الفترة الأخيرة زيادة ملحوظة في وفيات مرضى السرطان، بسبب القيود الإسرائيلية على إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية، علاوة على القيود المفروضة على السفر للعلاج بالخارج، وفقًا للمحروق.

وحتى قبل خروج "الأوروبي" من الخدمة، يقدر المحروق أن (90%) من مرضى السرطان والأورام من سكان شمالي القطاع، كانوا محرومين من تلقي الخدمة الطبية بشكل منتظم، بسبب مخاطر الطريق للوصول إلى المستشفى، في ظل سيطرة الاحتلال على شارع صلاح الدين، وتعقيدات التنقل عبر شارع الرشيد الساحلي.

وقال: "إن 10 آلاف مريض سرطان كانوا يتابعون علاجهم في مستشفى الصداقة قبل تدميره وتوقفه عن العمل تمامًا، وهؤلاء يواجهون مصيرًا مجهولًا، حيث لا وجهة طبية تتوفر فيها الخدمة والرعاية اللازمتين لهم في عموم القطاع خلال الوقت الحالي".

 

المريضة أسماء بريكة وآلاف مريضات ومرضى السرطان في غزة يواجهون الموت بلا أي وجهة طبية للعلاج-أحلام عبد القادر-البوابة 24 (1).JPG


المريضة تهاني أبو مصطفى تصف خروج الأوروبي من الخدمة بحكم إعدام على مريضات ومرضى السرطان-أحلام عبد القادر-البوابة 24.JPG


دمار كبير داخل مستشفى غزة الأوروبي وفي محيطه أدى إلى خروجه من الخدمة-أحلام عبد القادر-البوابة 24.JPG
 

البوابة 24