في تطور خطير يسلط الضوء مجددًا على حجم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، كشفت منظمة "أطباء بلا حدود" غير الحكومية، عن شهادات مروعة أدلى بها عدد من المصابين الفلسطينيين الذين تلقوا العلاج في إحدى نقاطها الطبية جنوبي القطاع، وتحديدًا في مدينة رفح، تفيد بتعرضهم لإطلاق نار مباشر ومن جميع الاتجاهات خلال وجودهم في موقع لتوزيع المساعدات الإنسانية، قالت المنظمة إنه كان يشهد حالة من الفوضى والارتباك الشديد.
وأكدت المنظمة، في بيان رسمي، أن المصابين الذين نقلوا إلى مراكزها الإغاثية تحدثوا عن إطلاق نار مكثف استهدفهم خلال محاولتهم الحصول على المعونات، وقالوا إن مصادر النيران جاءت من طائرات مسيّرة، ومروحيات، وزوارق بحرية، ودبابات، بالإضافة إلى جنود إسرائيليين على الأرض، وهو ما دفع المنظمة إلى توجيه أصابع الاتهام بشكل مباشر إلى الجيش الإسرائيلي، رغم نفيه الرسمي لتلك المزاعم.
اقرأ أيضًا:
- بعد رفض مقترح ويتكوف.. إسرائيل تستعد للرد على حماس باستخدام ورقة ضغط غير تقليدية تتعلق بالمساعدات
- قناع زائف.. مراكز المساعدات في غزة تتحول إلى مصائد موت جماعي لقتل المدنيين
اتهامات مباشرة لجيش الاحتلال
سارع الجيش الإسرائيلي إلى نفي الاتهامات بشدة، مؤكدًا في بيان له أن قواته لم تطلق النار على المدنيين سواء داخل موقع توزيع المساعدات الإنسانية أو بالقرب منه، وادعى أن تحقيقًا أوليًا أجرته الجهات المختصة التابعة للجيش لم يسجل أي استخدام للقوة ضد المدنيين في تلك المنطقة خلال وقت الحادثة.
لكن على الأرض، كانت المشاهد والدماء تحكي رواية أخرى، فقد أعلن جهاز الدفاع المدني في غزة أن ما لا يقل عن 31 فلسطينياً لقوا حتفهم جراء النيران الإسرائيلية، فيما أصيب العشرات بجروح متفاوتة، معظمهم من الرجال الذين كانوا يتزاحمون على منصات توزيع المساعدات.
وتحدث شهود عيان لوكالة "فرانس برس" عن استهداف مباشر من قبل القوات الإسرائيلية للمدنيين الذين لم يشكلوا أي تهديد أمني.
وفي خضم هذه الاتهامات، وجهت منظمة "أطباء بلا حدود" انتقادات لاذعة إلى مؤسسة غزة الإنسانية، وهي هيئة إغاثية تحظى بدعم مباشر من الولايات المتحدة، محملة إياها مسؤولية الإخفاق التنظيمي الذي أدّى إلى هذه المجزرة.
ووصفت منسقة الطوارئ في المنظمة، كلير مانيرا، أداء المؤسسة بأنه "لا إنساني، وخطير، وغير فعال للغاية"، مؤكدة أن النظام الذي تم استخدامه في توزيع المساعدات أسفر عن وفيات وإصابات بين المدنيين كان من الممكن تفاديها تمامًا.
فخ قاتل
وأوضحت مانيرا أن توزيع المساعدات الإنسانية في ظروف غير منظمة ودون ضمانات أمنية واضحة، هو أمر يتناقض مع المبادئ الأساسية للعمل الإنساني، مضيفة: "يجب ألا تسلم المساعدات إلا من قبل منظمات إنسانية محترفة لديها القدرة على ضمان تسليمها بأمان وفعالية، وليس من خلال مؤسسات تنسق عملياتها مع أطراف الصراع".
من جهتها، أفادت مسؤولة الاتصالات لدى المنظمة نور السقا، أن مشاهد المستشفى كانت صادمة، حيث امتلأت الممرات بالمصابين الذين يعانون من إصابات خطيرة ناجمة عن طلقات نارية مباشرة في الأطراف، مشيرة إلى أن ما رأته لا يمكن تفسيره إلا باعتباره اعتداءً واسع النطاق على مدنيين كانوا يسعون فقط للحصول على الغذاء.
شهادات الناجين
وفي شهادة موجعة، نقلت "أطباء بلا حدود" رواية أحد المصابين، ويدعى منصور سامي عبدي، الذي وصف المشهد بالقول: "طلبوا منا أن نأخذ الطعام، ثم أطلقوا النار من كل اتجاه. هذه ليست مساعدات... إنها كذبة"، في إشارة إلى ما وصفه بخداع منظم تم من خلاله استدراج المدنيين إلى نقطة الموت تحت غطاء إنساني.
وتداولت وسائل إعلام محلية ودولية روايات مشابهة من ناجين وشهود، تؤكد أن الموقع تحول إلى ساحة رعب، حيث لم يتمكن أحد من معرفة مصدر إطلاق النار بدقة، لأن الرصاص كان ينهمر من كل الجهات.
إسرائيل تنفي
ورغم هذه الشهادات المتطابقة، أصر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على نفي وقوع أي إطلاق نار من قبل قوات الاحتلال ضد المدنيين، وزعم أن الروايات المتداولة عارية عن الصحة وأن الجيش يلتزم بتعليمات صارمة لتجنب استهداف الأبرياء، على حد قوله.
من جانبه، زعم متحدث باسم مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة أميركيًا، إن حركة "حماس" تحرض بنشاط على نشر هذه الروايات الكاذبة، متهمًا إياها باستغلال الحادثة لأغراض سياسية، ومحاولة تقويض الجهود الإغاثية.