الغضب الفتحاوي والمفاجأة!

بقلم: ميسون كحيل

غريب أمر بعض الأشخاص؛ رأيهم غريب، وغضبهم أكثر غرابة. تتمحور غرابتهم بشدة في أنهم لا يريدون سماع إلا ما يرغبون! ولا تهمهم الحقائق، ولا تعنيهم تصحيح الشوائب، ولا معالجة الأخطاء! ويعتقدون أنهم المقصودون دائمًا في الحديث عندما نشير إلى سوء الإدارة، سواء على مستوى السلطة أو التنظيم. فبعد مقال حتف، لم تتوقف الانتقادات رغم قلتها، والغضب ظاهر عليهم بحجة أن الظروف غير مناسبة للحديث عن التنظيم والخلل والفوضى، وكأن الظروف كانت مناسبة قبل ذلك!

هل يُعقل استمرار الصمت؟ إذا كنا لم نصمت، ونبهنا، وحذرنا كثيرًا، وطالبنا بالمعالجات لإعادة الأمور إلى نصابها ولم نفلح، وإذا كنا قد كتبنا عشرات المقالات لكي ينتبه القائمون على التنظيم والمتنفذون منهم، لكن دون جدوى، فهل سنستفيد من الصمت؟ على الأقل نتكلم حتى نبرأ مما قد تكون عليه الأوضاع مستقبلًا، ما لم يتم إيقاف الفوضى ومعالجة الخلل.

يستحضرني مقال كنت قد كتبته قبل ما يقارب عشر سنوات، وأشرت فيه إلى الحذر وضرورة الانتباه، وسلطت الضوء على أحد الأقاليم لحركة فتح، بأن من يمسك زمام الأمور فيه أصلاً لم يتربَّ في فتح، ولم يكبر فيها، ولا يعرف أدبيات الحركة، ولا نظامها الأساسي. لا، بل كان هناك ثلاثة أعضاء يسيطرون على التنظيم، بعد أن دخلوا إليه من الشباك، وليس من الباب، وكانوا في الحقيقة تابعين لتنظيمات فلسطينية أخرى، لكن بعد قدوم السلطة عرفوا من أين يُؤكَل الكتف. ولم يُعطِ أحد اهتمامًا، حتى أصبحوا من رجال السلطة البارزين!

طبعًا، كل الاحترام لكافة التنظيمات الفلسطينية، لكن أن ينزل من هذه التنظيمات على تنظيم فتح أشخاص بـ"الباراشوتات"، ويُحجَّم أبناء فتح الحقيقيون، فهذا والله قمة في التراجع. وكنت أعتقد، وأنا واهمة، بأن هذه الحالة فريدة واستثنائية، بينما الحقيقة ليست كذلك، بل تكررت في أكثر من إقليم، وتتكرر، والأغرب أن هؤلاء لا يمرّون عبر تسلسل الرتب التنظيمية، بل نراهم فجأة في القمة.

إذن، عندما نتحدث، فإنما لحرصنا على حركة فتح، ولا نريد لها الهبوط التدريجي، ولا أن يكون على رأس الهرم وحوله إلا أشخاص مصلحة التنظيم والإطار هي الأساس في وجدانهم وأدائهم وانتمائهم، وليس من أجل مصالح شخصية، ومواقع، ومناصب. فالغضب الذي وصلني، والانتقادات التي طالت كتاباتي حول ذلك، لا مبرر لها. وعليهم إدراك أن النضال والعمل الوطني والتضحية وإنكار الذات ممكنة في أي مكان يتواجد فيه الإنسان، ومن أي تنظيم ينتمي إليه، والمهم أن يكون فلسطينيًا صادقًا.

وأكرر ما قلت في مقال حتف والإصلاح المميت: إن فتح تلمّ الجميع تحت جناحيها، لكن علينا تثبيت وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، دون أي حسابات لا تُسمن ولا تُغني من جوع. وأكرر السؤال: أين هي فتح؟ فلا نرى منها شيئًا، ولم نعد نسمع عنها شيئًا، سوى مؤتمرات واجتماعات تُفرَض فيها أشخاص لا أعتقد أنه متفق عليهم، سوى من باقي حلقات السبحة. والغضب أفهمه جيدًا، فقط اقتربنا من حدود مصالح البعض الضيقة، والخطوط الحمراء. لكن المفاجأة أن الثناء والمدح والشكر على المقال من أبناء فتح تحديدًا كان عاليًا جدًا، فاق التصورات، ما يؤكد تمامًا أنني في الاتجاه الصحيح... كلمة الحق... والغيرة على الوطن والانتماء الصادق لفتح، ذلك هو الغضب الفتحاوي والمفاجأة.

كاتم الصوت: كم من مرة طالبنا بابتعاد الأمن عن التنظيم؟ وكم من مرة طالبنا بتكريس مبدأ الانتماء دون حسابات دخيلة وضيقة؟

كلام في سرك: اصعدوا إلى الطائرة، انظروا إلى الأقاليم من الأعلى... فارغة...! دورها فقط عند المؤتمرات والانتخابات!

رسالة: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. احتفظ بالأسماء... أغلق الملف... وخلّونا على غزة.

البوابة 24