غزة/ مرح الوادية:
في قطاع غزة، بات حلم النساء واحدًا تحت الإبادة، وتحديدًا الأمهات: "تأمين رغيف خبز". هذا ما حاولت ماريا شيخ العيد، الأمّ لسبعة أبناء، أن تفعله في يومٍ قيل إنه مخصص للنساء، داخل ما يُسمى بمراكز المساعدات الأمريكية، جنوبي قطاع غزة.
ذهبت ولم تعد. تم إنهاء حياتها برصاصة إسرائيلية أصابتها في رقبتها. رصاصة واحدة فقط، أنهت أمومتها إلى الأبد، ودفنت وجودها الذي كان بمثابة "حياة" لأبنائها وبناتها.
تقول ابنتها، ملاك شيخ العيد، بصوت مكسور وعيون غارقة بالدموع: "توسلنا إليها كثيرًا ألا تذهب، أو أن نرافقها جميعًا، لكنها تركتنا نيامًا حين قررت الخروج"، مردفةً بحسرة: "كانت أمي ترد بحزم: سأوقظكم عندما أجلب الطحين. ستستيقظون وحدكم على رائحة الخبز حين أعود".
مأساة العائلة مضاعفة. فقدت ملاك والدها قبل عشرة أشهر فقط، حين خرج ليجلب الطعام، فقُتل برصاص الاحتلال أمام باب منزله. ومنذ ذلك الحين، تكفّلت ماريا بإعالة أطفالها وحدها، وسط الجوع والحصار. "ذهبت مرتين إلى مراكز توزيع المساعدات، وحصلت على بعض الفتات. لم يكن أمامها خيار آخر لتأمين الطعام في ظل المجاعة. نجت مرّتين، لكنهم قتلوها في الثالثة"، تضيف ملاك.
كان وقع الخبر صادمًا. "وأي قلب يمكنه أن يحتمل صدمة ثانية؟" تتساءل ملاك التي استحضرت استشهاد والدها، وتابعت: "عندما استيقظت ولم أجد أمي، اتصلت بها، لكن سيدة أخرى أجابت، وأخبرتني بأن أمي جريحة. صرخت، وجارتي بقربي، فانتزعت الهاتف مني. أخبرتها نفس السيدة أن ماريا استشهدت، وأن عليها أن تهيئ أطفالها للخبر. كلنا سمعنا صوتها، واحترقنا بكاءً".
تخبرنا الشابة أن قهر أمها جراء المجاعة كان سيقتلها لو لم تصبها الرصاصة. في كل يوم يطلب فيه الصغار طعامًا ولا يجدون، كانت تنهار. لم تتخذ قرار الذهاب إلا لأنه كان "أحلى الخيارات المُرّة" أمامها. كان هدفها أن تطعم أطفالها، أن تنتزع القليل من الطعام لأجلهم، لكنهم قتلوها أيضًا.
تطالب ملاك بإغلاق ما أسمته "مصائد الموت"، التي يوهمون العالم بأن من خلالها توزع المساعدات، مستدركة: "لكن في الحقيقة يتم قتلهم فيها. من يذهب إلى هناك يعرف أن مصيره القتل غالبًا، لكنها طريقة أسرع من موتٍ بطيء تحت الجوع وبأمعاء خاوية. هذا هو الفارق، لا مجال للحياة، الموت فقط بطرق متعددة".
ومن الجدير ذكره، أنه منذ تشديد الحصار على قطاع غزة ومنع دخول المساعدات للمنظمات الدولية، يُقتل عشرات الفلسطينيين يوميًا برصاص الاحتلال في شمالي القطاع وجنوبه، وتحديدًا فيما يسمى بـ"مراكز توزيع المساعدات الأمريكية"، وذلك في سبيل الحصول على رغيف الخبز.