لحم الجثث "وليمة" للكلاب المجوَّعة بغزة.. هل يتهدّد الخطر الأحياء؟

صورة توضيحية
صورة توضيحية

غزة/ البوابة 24- جمال موسى:

في كل مساء، تُغلق أم عبد الله خيمتها بإحكام، وتحتضن أطفالها الخمسة، تحاول أن تقيهم من خطر جديد لا يقلّ وحشيةً عن القصف: "الكلاب والقطط الضالة"، التي اتخذت من أنقاض منزلها المدمّر مأوى.

تخرج تلك الحيوانات مع حلول الظلام بحثًا عن طعام، فتقترب من الخيمة، وتحفر الأرض.. تموء وتنبح، ناشرةً الذعر بين أطفالٍ فقدوا والدهم في الحرب الأخيرة.

ليست وحدها. في مخيم الإيواء القريب من جامعة القدس المفتوحة، غربي مدينة غزة، تتكرر المشاهد نفسها: كلاب تمزق أطراف الخيام، شهادات نازحين تروي مشاهد مرعبة. طفلةٌ كادت أن تُفترس لولا تدخل أحد المواطنين، وفق ما أكده النازح أحمد أبو صفية لمراسل "البوابة 24".

في زمنٍ ما، لم تكن هذه الحيوانات تشكل خطرًا، لكن بعد أشهر من المجاعة وغياب المتابعة والرقابة الميدانية، تغيّر سلوكها. باتت تنهش جثامين الشهداء الملقاة في الشوارع، وتلك التي عجزت فرق الإنقاذ عن انتشالها بفعل القصف المستمر ومنع الاحتلال الوصول إلى المناطق المنكوبة.

مئات الجثث، لنساء وأطفال، تُركت في العراء لأيام وأسابيع، وتحولت إلى مصدر تغذية للحيوانات الجائعة. مشهدٌ يثير تساؤلات قاسية: "هل يؤثر أكل لحوم البشر على سلوك هذه الحيوانات؟ وهل يمكن أن تتحول إلى خطر دائم على من بقي على قيد الحياة؟

الدكتور نائل السعدي، الطبيب البيطري، يقول لـ"البوابة 24": "إن الكلاب لا تنهش الجثث بدافع العدوانية، بل بسبب الجوع الشديد"، موضحًا أن الجثث تطلق روائح تجذب الحيوانات، "لكن اضطرارها لأكل لحم البشر قد يؤدي إلى تغيّر مؤقت في سلوكها، وقد تصير أكثر عدوانية".

ورغم احتمالية عودتها لطبيعتها بعد انتهاء المجاعة، إلا أن الوقائع تشير إلى غير ذلك. شهادات متعددة وثّقت محاولات اعتداء على المواطنين، في حين تحولت مناطق بأكملها إلى بؤر خطر تُمنع الأسر من دخولها بعد غروب الشمس بسبب تجمعات الكلاب والقطط الضالة هناك.

ومع استمرار بقاء الجثث في العراء في مختلف مناطق قطاع غزة، بسبب القصف، أو القنص أو الاستهداف بالمُسيّرات، تتضاعف المخاطر الصحية والنفسية والبيئية. "فالحيوانات التي اعتادت على نهش الأجساد البشرية قد لا تفرّق لاحقًا بين الجثث والأحياء، ما ينذر بفوضى بيئية وأمنية، خاصة في المناطق الخارجة عن السيطرة أو الخالية من السكان".

مدير الدفاع المدني في غزة، رائد الدهشان، يؤكد أن معظم حالات نهش الجثث حدثت في "المناطق الحمراء" التي يتواجد فيها الجيش الإسرائيلي، أو التي أُجلي سكانها بالكامل، مثل شمالي وشرقي مدينة غزة، وخان يونس، ورفح جنوبًا.

ويشير إلى أن بعض الكلاب صارت شديدة الشراسة، وتم توثيق حالات اعتداء فعلية خلال الأسابيع الأخيرة.

وتطرح الأزمة أسئلة أكثر إلحاحًا: هل تصبح الكلاب أكثر عدوانية بعد أكل لحوم البشر؟ يقول الطبيب البيطري، الدكتور معاذ أبو ركبة: "إن الظروف الطبيعية لا تُنتج مثل هذا السلوك، لكن في سياق المجاعة وفقدان الغذاء وغياب البيئة الآمنة، نعم، قد يتحول الخطر إلى واقع دائم".

ووفق شهادات النازحين، فإن الهجمات حدثت بالفعل، وغالبًا ما تقع ليلًا، أو عند اقتراب الناس من مناطق سيطرة الحيوانات الجائعة.

ويؤكد أبو ركبة على ضرورة تنفيذ حملات لإعادة تأهيل هذه الحيوانات أو احتجازها في مراكز متخصصة، كما تفعل الدول التي مرّت بكوارث أو حروب. فالهدف ليس التخلص منها، بل الحيلولة دون انتقالها من كونها كونها "ضحية" إلى "خطر".

لكن في غزة، يبدو ذلك حلمًا بعيد المنال. بلدية غزة، كما يوضح المتحدث باسمها حسني مهنا، كانت قبل أنشأت قبل الحرب ملجأً للكلاب الضالة جنوبي المدينة، لكنه اليوم يقع في منطقة عسكرية يمنع الوصول إليها. وطواقم البلدية تعاني من نقص حاد في الموارد والكوادر، ما اضطرها إلى وقف جميع الأنشطة غير الحيوية، بما فيها جمع الحيوانات الضالة، وفق تأكيده.

وفي الوقت الذي طورت فيه دول مثل سوريا أو بعض مناطق إفريقيا خططًا عاجلة للتعامل مع أزمة الحيوانات الضالة عبر ملاجئ طارئة أو حتى الإعدام الرحيم، وبمساعدة فرق بيطرية دولية، فإن غزة بقيت وحيدة في مواجهة الخطر، بلا موارد، ولا دعم، ولا أدوات استجابة.

المتحدث باسم بلدية غزة اختتم حديثه، لكن الواقع لم يُغلق الملف، فمع استمرار الحرب والنزوح، وغياب المساعدات، تبدو الحلول مؤجلة، والأهالي في مواجهة مباشرة مع خطر جديد، ينمو كل يوم، ويزداد شراسة.

الضرورة باتت تفرض تحركًا عاجلًا، يبدأ بتوفير مراكز إيواء مؤقتة للحيوانات الضالة -ولو تحت الإبادة- ودعم البلديات بما يلزم من كوادر وموارد، وإشراك المنظمات الإنسانية والبيطرية في التعامل مع الوضع.

كما يجب تنظيم حملات توعية للسكان لفهم سلوك هذه الحيوانات وكيفية التعايش الآمن معها. لأن تجاهل هذا الملف لن يحلّه، بل سيزيد من الكلفة، وربما يدفع الأبرياء ثمنًا جديدًا، هذه المرة، ليس من القصف.. بل من أنياب جائعة.

البوابة 24