غزة/ البوابة 24- إنعام فروانة:
"الأمر لا يتوقف عند توفير مكان. هنا نلتقي بزملائنا، ونتبادل الخبرات"، قالها الصحافي بشير أبو شعر، الذي خبِر العمل تحت النار منذ سنين طويلة، وقضى في الإبادة أشهرًا "قاتمة"، باحثًا عن مكتبٍ صغير، ومساحةٍ من الهدوء والأمان، تتيح له إرسال إنتاجه الإعلامي للمواقع التي يعمل معها.
اليوم، يتحدث بشير لـ "البوابة 24" مُبتسمًا من خلف طاولةٍ صغيرة. في مركز التضامن الإعلامي، الذي افتتحته نقابة الصحافيين الفلسطينيين في قلب مدينة غزة، بإشراف الاتحاد الدولي للصحفيين.
يخبرنا: "وفر المركز لنا أخيرًا مساحة آمنة للعمل، فيها كهرباء وإنترنت، بعد أن دمّر الاحتلال غالبية مكاتب الصحافة، واستهدف الإعلاميين بشكلٍ مباشر. هنا كل التجهيزات متوفرة، نعمل مثل خلية نحل، ونحترم خصوصية بعضنا، ونحاول أن نُفيد ونستفيد".
في المدينة الغارقة بنيران القصف والحصار، ثمّة صوتٌ خرج من بين الركام ليُعلن أن صوت الصحافة لن يسكت، وأن الحبر سيستمر نزفه، طالما بقي البارود موجهًا تجاه الضحايا الفلسطينيين العزل. افتتحت نقابة الصحافيين مركز التضامن بغزة، ليكون الثالث في القطاع، بعد خان يونس جنوبًا، ودير البلح وسط القطاع، تحت هدفٍ سامٍ وبناءً على احتياجٍ دقيق: "تشكيل حاضنة آمنة لصحافيين سُلِبوا مكاتبهم، لكنهم لم يفقدوا الإرادة والإصرار".
بدعم الاتحاد الدولي و"صحافة حُرة"
نقيب الصحفيين ناصر أبو بكر، أكد أن افتتاح المركز ليس مجرد حدثٍ عابر، بل خطوة استراتيجية لمواجهة ظروف "قاتلة" يفرضها العدوان المستمر على غزة.
تجهيز المركز بالكامل، جاء بدعم الاتحاد الدولي للصحفيين، ومؤسسة "صحافة حرة بلا حدود" في هولندا، وبإسناد من اتحادات ونقابات ومؤسسات وطنية ودولية. ووفقًا لأبو بكر، فإن الهدف الرئيس منه "تأمين بيئة عمل لائقة تناسب العمل الصحفي، وتُكرّم جهود فرسان الوسط الإعلامي".
وعبّرت شروق شاهين، مراسلة تلفزيون سوريا، عن ارتياحها الشديد إزاء افتتاح المركز بمدينة غزة، "حيث غرقنا في الإرهاق بحثًا عن نقاط شحن وإنترنت" تقول.
وتتابع: "عملنا منذ بداية الحرب من داخل المستشفيات، وسط الشهداء والجرحى ولحظات الفقد، حتى غدت المستشفيات نفسها غير آمنة. وبعد عودتنا إلى شمالي القطاع، عملنا في مساحات مؤقتة بلا أمان. اليوم، المركز هو ملاذنا، حيث الكهرباء والإنترنت مجانًا، بعدما كانت تكاليفهما عبئًا ثقيلًا علينا".
"جهود متواصلة وحاجة ملحة"
ويصف أمين سر نقابة الصحفيين الفلسطينيين، والمشرف على المركز، عاهد فروانة، المساحة التي وفرها المركز للصحافيين/ات بغزة، بأنها "ثمرة جهود متواصلة، من العمل في خدمة الصحافيين وتوفير احتياجاتهم، وتأمين فعالياتهم، حتى قبل الافتتاح الرسمي"، مشيرًا إلى أن عدد الصحافيين/ات الذين يلجؤون للمركز من أجل إتمام عملهم، يعكس بوضوح درجة الاحتياج لوجوده.
بدوره، أشار الصحافي حسين كرسوع، أن قصف الاحتلال لكل المقرات الإعلامية جعل من إنشاء مكان بديل ضرورة قصوى لاستمرار العمل الصحفي، خاصة مع انقطاع الكهرباء والإنترنت.
وأوضح أن المركز تم تثبيته على نظام تحديد المواقع (GPS) لحماية الصحفيين، وتوضيح أنه موقع عمل إعلامي بحت، مردفًا: "نحارب المستحيل كي ننقل الصورة ونفضح جرائم الاحتلال".
يُوفّر المركز بيئة عمل مجهّزة بخدمات الكهرباء والإنترنت عالي الجودة، بالإضافة إلى المساحات اللازمة لإنتاج المحتوى وتبادل الخبرات، ما جعله "مساحة يتنفس من خلالها الصحفيون" وفق ما عبّرت "روث كرونينبرغ" من مؤسسة "صحافة حرة بلا حدود".
مسؤولو الاتحاد الدولي للصحفيين أيضًا، أكدوا أن مثل هذه المراكز بغزة، تمثل قيمة رمزية استثنائية، وتطرح تصورات حول كيفية إعادة بناء قطاع الصحافة ما بعد الحرب.
هكذا، وسط مدينة غزّة المدمّرة، يقف مركز التضامن الإعلامي شاهدًا على أن الكلمة الحرة لا تنكسر، وأن الصحافيين/ات بغزة، ليسوا وحدهم في معركة نقل الحقيقة.