بعد غياب

 بقلم  منيب حمودة .

تعود أم فادي وأنا بعد غياب .. نستذكر غزارة الأمطار من الحجارة وكتل الأسمنت والحديد وسحابة سوداء من الغبار والنار والبارود !؟! تتساقط على أجسادنا وتقذفنا كل في زاوية ؟؟ بعد قصف الطيران الحربي الإسرائيلي عمارة من خمسة طوابق لجيراننا بصاروخ صيرها كومة حجارة على رؤوس ساكنيها من المدنيين الأبرياء !!؟؟ تم نقلنا بواسطة الهلال الأحمر الفلسطيني إلى مستشفى السرايا الميداني *** المكتظ ساعة وصولنا بعشرات الشهداء والجرحى !؟ افترشنا أرضية المستشفى في انتظار شغور سرير ؟! وبقينا على على هذا الحال ساعات !؟ الكادر الطبي منهك ومتعب وكان الله في عونه *** الحمد لله والشكر لله رب العالمين ** بعد خمسين يوماً بدأنا نشعر بالتعافي وإن كان بطيئا ... فلا علاج متوفر للتداوي ؟ ولا غذاء يعزز الشفاء !؟ وهذا بعض من قصة غزة على مدار ما يقرب من عامين !؟ سيدي المواطن الفلسطيني.. قصة غزة المنتجة للحروب منذ تسعة عشر عاماً !؟ وغزة تنتج وتصدر صور ضحاياها لكل فضائيات الدنيا !!؟؟ تصدر قصص الموت وروايات المسح من السجل المدني للعائلات !؟ غزة تسعة عشر عاماً وهي تستمطر الحروب والفواجع !؟ دون أي منجز سياسي أو ثقافي أو اقتصادي أو قيمي للحكم الرشيد !؟ غزة عودت العالم على مشاهدتها في الحروب ؟! وهي تتلقى الضربات الجوية وحمم المدفعية !؟ غزة منذ تسعة عشر عاماً لم تنتج مسرحية أو مسابقة ثقافية أو لوحة فنية !؟ غزة لم تنتج اديب أو شاعر أو فنان ورسام أو رياضي أو فريق كرة قدم .. غزة لم تقدم للعالم ولأهلها إلا لغة الدم وثقافة الموت !!؟؟ ومن عمق التجربة غزة تقول :: أن بعض المتابعين من عرب وفلسطينيين في الخارج يقرأونها كرواية في وقت الفراغ ؟! للتسلية وتفريغ شحنات الضمير ؟! والبعض يشاهدها كفيلم هوليودي مرعب أثناء وجبات العشاء !؟ وهذا الصنف الثاني يعتقد أن مشاهد الضحايا والأشلاء وجثامين الأطفال المتفحمة !؟ والٱهات القادمة من تحت الأنقاض !؟ وصراخ الأمهات الثكالى ؟! يعتقد أنها من صناعة المخرج ؟! وما الضحايا والأشلاء والجثامين إلامجموعة من الممثلين البارعين ؟! أخي العربي ** هل تنفست مثلي غبار البارود وسخام الحرائق !؟ هل تنشقت رائحة جثامين الشهداء المحترقة !؟ وأنت تحت الأنقاض والركام !؟ هل إلتفت بنظرة وداع إلى بيتك المقصوف وأنت محمولاً على نقالة الإسعاف !؟ هل قذفتك المدفعية الثقيلة في زاوية الدار !؟ هل كان بينك وبين النجاة ألا زمن يقاس ؟! هل عجزت أن تتلقف ذراع زوجتك وهى تتدلى من على نقالة الإسعاف ؟! لم تستطع إسنادها لا أنت ولا هي !؟ أخي العربي ** أحدثك عن ذراع ويد قدمت لي ولأولادها وأحفادها الطعام والشراب بحب ورغبة ** دون تمنن وعلى مدى يزيد عن أربعة عقود *** سيدي المواطن الفلسطيني** هذه نظرة خاطفة على بعض بقايا ما تبقى من غزة !؟ بقايا إنسان وبقايا مزروعات ومصانع وبيوت وفضاء وهواء !؟ هذه غزة تسكن في الخيام ؟! وتنزح من خيام إلى خيام !؟ وتتداوى في الخيام ؟! وتتعلم في الخيام !؟ وتتواصل مع الدنيا من نت خيمة !؟ هذه بقايا غزة عندما تتوجع ؟؟ أو تشكو عذاباتها !؟ يقذفها سكان العواصم والفنادق ورواد الشواطئ والمقاهي بسيل من الشتم والتخوين والتكفير !؟!؟ فممنوع على غزة الشكوى أو بعض الٱه !؟ سيدي المواطن الفلسطيني *** نعود إليك بفائض من المحبة والوفاء ** معطوفا بالشكر لكل من وصلتنا بركات دعواته بظهر الغيب ** ختاماً أقول :: نحن في غزة لم تسقط ضمائرنا ** ولن يموت الوفاء فينا ** فلا أخلاقنا ذهبت ** ولا قيمنا ضاعت ** فقط نحن ضحية قرار أساء التقدير !؟ لكننا كأمة عربية بحاجة إلى النظر للعالم نظرة أخرى مختلفة ؟ هذا العالم الذي صمت على إبادتنا !!؟؟ وحركه تجويعنا !؟ وفرق بين الموت جوعاً والموت قصفاً ليتعامى عن رؤية الجريمة !؟

البوابة 24