غزة.. "البتر" لا يطال الجسد وحده!

طفلة عمرها سنتان من غزة، بترت ساقها بعد أن علقت تحت الأنقاض جراء القصف
طفلة عمرها سنتان من غزة، بترت ساقها بعد أن علقت تحت الأنقاض جراء القصف

غزة/ مرح الوادية:

"كيف بدي أحضنك؟" كان أول سؤالٍ تبادر إلى ذهن الطفل محمود العجور، بعد بتر ذراعيه جرّاء قصفٍ إسرائيليٍ استهدف بيته بمدينة غزة، في مارس/ آذار 2024م.

قالها لأمه بنبرةٍ تحمل حزن العالم وبراءته في آن. تخيّلِ معي، وأنت تراقب محمود في زاوية الضوء، كيف تبدو عيناه: ليست حزينة فقط، بل مشبعة بالانكسار. أجابته: "أنا أحضنك.. ألا يكفي ذلك؟"، فضحك. ضحك كما لو أن الأمل في قلبه نبت من جديد.

سيلا أبو عقلين، ابنة السنوات الخمس. الناجية الوحيدة من عائلتها (أمها ووالدها وإخوتها) في قصفٍ مدمر طال المربع السكني المحيط بهم في ديسمبر 2023م، أيضًا فقدت ساقها. تقول خالتها ياسمين: "تعرضت لحروق شديدة، أدت إلى بترها من فوق الركبة".

تحاول الخالة أن تُنسي الطفلة هذا الفقد المخيف. لكن الحقيقة أن الألم هو الألم، والبتر هو البتر.

تسأل الطفلة على الدوام: "كيف ستعود ساقي؟"، فتحاول خالتها أن تشرح لها أن هذا الأمر صعب، بطريقةٍ مُبسطة، وتغرس في قلبها أملًا بأن العلاج موجود، وأن هناك فرصة لتركيب طرف صناعي خارج قطاع غزة.

تحاول سيلا أن تنخرط في اللعب مع صديقاتها باستخدام مشّاية، لكنها تسقط كثيرًا. وتتساءل بحسرة: "لماذا لست مثلهم؟". تنظر إلى ساقها وتلعن الحرب، وتنادي خالتها: "خديني لجوّة".

أرقامٌ صادمة، صرّح بها مدير مستشفى الشيخ حمد للتأهيل والأطراف الصناعية، الذي عاد للعمل -بالحد الأدنى- بعد إعادة تأهيل بعض أقسامه الرئيسة التي دمرتها آلة الحرب الرئيسة شمالي قطاع غزة، إذ قال: "الحرب رفعت نسبة حالات البتر بأكثر من 225%".

وأضاف: "قبلها كنا نتعامل مع نحو ألفي حالة، أما الآن فقد تجاوز العدد 6500 حالة جديدة".

وأشار إلى أن القدرة الإنتاجية الحالية لا تسمح بتصنيع أكثر من 150 طرفًا صناعيًا سنويًا، ما يعني أن تلبية الاحتياجات القائمة قد تستغرق أكثر من عقدين، إذا لم تتحسن الظروف".

وبرغم الظروف العصيبة، يواصل المستشفى تقديم خدماته الأساسية: تركيب الأطراف الصناعية، والتأهيل الحركي والعصبي، وخدمات السمع والتوازن. "لكن القدرة التشغيلية تبقى محدودة أمام حجم المأساة، ومع استمرار الحصار، يلوح في الأفق خطر إنساني متزايد لعشرات الآلاف من الجرحى الذين ينتظرون فرصة لإعادة بناء حياتهم جسديًا ونفسيًا" يختم نعيم.

البوابة 24