مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، دخلت الساحة السياسية الفلسطينية مرحلة حاسمة، حيث كشفت صحيفة الشرق الأوسط أن حركة حماس تواصل اجتماعاتها الداخلية مع قياداتها السياسية والعسكرية، بالتوازي مع حوارات متواصلة مع مختلف الفصائل الفلسطينية، وذلك من أجل صياغة رد رسمي على المبادرة الأميركية التي طرحها الرئيس دونالد ترمب بهدف إيقاف الحرب المستمرة على القطاع.
وفي المقابل، صعد البيت الأبيض لهجته، محذراً الحركة من أن أي رفض صريح للخطة سوف يمثل ما وصفته المتحدثة الرسمية باسم الإدارة الأميركية، كارولاين ليفيت، بـ"الخط الأحمر" الذي لن يسمح ترمب بتجاوزه تحت أي ظرف.
البيت الأبيض يلوح بخطوط حمراء
خلال مقابلة لها مع شبكة فوكس نيوز الأميركية، أكدت ليفيت أن واشنطن لا تنتظر فقط موقفاً إيجابياً من حماس، بل "تتوقع" منها القبول الكامل بخطة ترمب، مشيرة إلى أن الرئيس الأميركي على استعداد لاتخاذ موقف صارم في حال أقدمت الحركة على الانسحاب من المسار التفاوضي.
وقالت بلهجة حاسمة: "هذا خط أحمر، والرئيس الأميركي سوف يضعه بشكل واضح، وأنا على ثقة أنه سيتخذ القرار المناسب في حال تجاوزه."
وكان ترمب قد منح، مطلع الأسبوع، مهلة زمنية لا تتجاوز 3 إلى 4 أيام أمام الحركة للرد بشكل رسمي على الخطة، التي حظيت بدعم من الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية والإسلامية، باعتبارها إطاراً لإنهاء الحرب ووضع ترتيبات جديدة للقطاع.
مأزق داخلي فلسطيني أمام خطة مثيرة للجدل
بحسب الصحيفة، تجد حركة حماس نفسها أمام معضلة معقدة؛ فبينما ترفض بشكل قاطع إظهار أي موقف يوحي بالانكسار، فإنها في الوقت ذاته لا تستطيع تجاهل الضغوط الإقليمية والدولية، وأوضحت مصادر مقربة من الحركة أن قيادتها لا تميل إلى الرفض المطلق، بل تفكر في التعاطي الجزئي مع الخطة، مع المطالبة بتعديلات جوهرية، خاصة فيما يتعلق بملف المختطفين وقضية الانسحاب الإسرائيلي، إضافة إلى الترتيبات الأمنية.
لكن أطرافاً فلسطينية أخرى ترى أن الخطة تحمل بذور "هزيمة سياسية واضحة"، وأن القبول بها – حتى ولو بتحفظ – سوف يضع غزة في مواجهة مستقبل بالغ الخطورة، إذ قد تتحول إلى نسخة أخرى من الضفة الغربية والقدس، حيث السيطرة الأمنية الإسرائيلية اليومية وغياب السيادة الفلسطينية الفعلية.
تحذيرات صريحة
داخل أروقة النقاشات الفلسطينية، عبرت قيادات في حركة الجهاد الإسلامي عن رفضها للقبول الأعمى بالخطة، مشددة على ضرورة إدخال تعديلات تمنع إسرائيل من استغلالها كأداة للهيمنة الأمنية واسترداد مختطفيها دون ضمانات حقيقية للانسحاب.
كما شددت على أن عدم وجود جدول زمني مكتوب وواضح لعملية الانسحاب، وملف إعادة الإعمار، قد يحول الخطة إلى مجرد وسيلة لفرض الأمر الواقع.
من جانبها، أصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بياناً رسمياً، أكدت فيه أن الأولوية القصوى يجب أن تتركز على "وقف المجزرة التي يتعرض لها شعبنا في قطاع غزة"، مشيرة إلى أن الفلسطينيين قدموا تضحيات جسيمة في سبيل الدفاع عن أرضهم وهويتهم الوطنية، وأضافت الجبهة أن المرحلة الراهنة تتطلب موقفاً وطنياً موحداً وعاجلاً، يقطع الطريق أمام محاولات فرض حلول مفروضة بالقوة.
قيادة حماس بين الداخل والخارج
أوضحت مصادر فلسطينية أن حالة التواصل بين قيادة الحركة في الخارج والداخل تواجه صعوبات بالغة بسبب الظروف الأمنية في القطاع، لذلك، جرى تفويض قيادة الخارج باتخاذ القرار النهائي حول الرد على المبادرة الأميركية، مع التأكيد على أن الموقف العام يجب أن يُظهر مرونة محسوبة، تتيح للحركة تحقيق هدفها المركزي وهو وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي وفتح المعابر بشكل كامل لإدخال المساعدات الإنسانية دون قيود.
لكن هذه المصادر كشفت أيضاً أن ملفات حساسة مثل إطلاق سراح المختطفين وتسليم الجثامين لا يمكن إنجازها وفق الإطار الزمني القصير الذي حددته الخطة، ما يستدعي وضع جداول زمنية دقيقة وملزمة.
موقف وطني جامع
أوضحت الجبهة الشعبية في بيانها أن المرحلة الحالية لا تحتمل الانفراد بالقرارات أو التهرب من المسؤوليات، داعية إلى عقد لقاء وطني عاجل يضم مختلف الفصائل والكيانات الفلسطينية، للخروج بموقف موحد تجاه الخطة الأميركية.
وشددت على أن التكاتف الفلسطيني والعربي والدولي أصبح ضرورة قصوى، ليس فقط لوقف الحرب، بل أيضاً لضمان الانسحاب وإعادة إعمار القطاع، بما يحافظ على الثوابت الوطنية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الحرية والعودة وتقرير المصير.
كما حذرت الجبهة من أن تجاهل هذه الضرورة قد يفتح الباب أمام محاولة خطيرة لإعادة صياغة المشهد الفلسطيني بما يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية والأميركية، ويكرس نتائج الحرب على شكل وقائع سياسية يصعب التراجع عنها مستقبلاً.