إسرائيل وتوظيف مذكرات جيفري إبستين: ورقة ضغط محتملة على الرئيس دونالد ترمب
بقلم: المحامي علي أبو حبلة
– عادت قضية رجل الأعمال الأمريكي جيفري إبستين لتتصدر المشهد السياسي والإعلامي في الولايات المتحدة بعد نشر مجموعة واسعة من الوثائق والمذكرات التي تتضمن مراسلات وشهادات غير مسبوقة، ما أثار جدلاً واسعًا حول طبيعة علاقاته مع شخصيات نافذة في واشنطن، وعلى رأسها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. تثير هذه القضية أسئلة إستراتيجية حول إمكانية توظيف إسرائيل لهذه الوثائق كورقة ضغط محتملة على ترمب وحزبه الجمهوري، في ظل المزاعم عن علاقات استخباراتية معقدة قد تشمل جمع إبستين معلومات حساسة عن شخصيات أمريكية بارزة لصالح جهات خارجية، بما في ذلك احتمال وجود صلات مع الموساد الإسرائيلي. 1. ووفق المزاعم الأساسية تشير بعض التحليلات الإعلامية، أبرزها تلك التي عرضها الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون، إلى أن إبستين ربما جمع معلومات مدمرة عن شخصيات سياسية واقتصادية واجتماعية بارزة في الولايات المتحدة. ويُعتقد أن هذه المعلومات قد تُستغل كورقة ابتزاز سياسية وأمنية، خصوصًا إذا تم توظيفها من قبل أجهزة استخباراتية ذات مصالح إستراتيجية. ارتبطت بعض هذه المزاعم بعلاقات إبستين مع شخصيات مثل غيزلين ماكسويل، التي لها تاريخ من العلاقات مع مؤسسات استخباراتية، ما يزيد من تعقيد الصورة ويثير تساؤلات حول طبيعة الشبكة التي كان جزءًا منها إبستين، ومدى إمكانية توظيفها لتحقيق مكاسب سياسية في واشنطن. 2. الرد الرسمي الإسرائيلي نفت القيادة الإسرائيلية رسميًا أي علاقة لإبستين بالموساد. فقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، نفتالي بينيت، بأن المزاعم حول استخدام إبستين كعميل للموساد «كاذبة تمامًا»، ووصف هذه الادعاءات بأنها «موجة شرسة من الافتراءات والأكاذيب ضد إسرائيل». وعلى الرغم من النفي الرسمي، فإن هذه المزاعم تستمر في الترويج إعلاميًا، ما يعكس أن القضية تتعدى بُعدها القانوني لتصبح أداة للضغط الإعلامي والسياسي، خاصة في ظل حساسية العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية في ملفات الشرق الأوسط وفي التحليل الاستراتيجي إذا صحّت جزئيًا المزاعم المتعلقة بجمع إبستين معلومات مدمرة عن شخصيات أمريكية، فإن ذلك يمنح إسرائيل نفوذًا إستراتيجيًا كبيرًا في واشنطن. ويمكن استغلال هذه المعلومات لتحقيق أهداف متعددة، منها: الضغط على سياسات ترمب الخارجية: خصوصًا فيما يتعلق بإيران، والملف الفلسطيني، والعلاقات مع الدول العربية. ضمان ولاء أو امتثال بعض الأطراف الأمريكية: مثل أعضاء في الحزب الجمهوري أو الشخصيات الاقتصادية البارزة، لتبني سياسات توافق المصالح الإسرائيلية. التأثير على الانتخابات والداخل الأمريكي: عبر استخدام المعلومات في إطار الحملات الانتخابية أو في صناعة الرأي العام، بما قد يؤثر على توازن القوى داخل الحزب الجمهوري. 2. مصداقية الادعاءات رغم انتشار التكهنات والتحليلات الإعلامية، لم يتم تقديم أي دليل قاطع يثبت أن إبستين كان عميلًا رسميًا للموساد. وتظل معظم التحليلات قائمة على فرضيات واستنتاجات غير مؤكدة، مما يجعل من الضروري التعامل معها بحذر. مع ذلك، يبقى احتمال وجود معلومات استخباراتية جزئية أو غير منشورة قائمًا، خاصة في ملفات تتعلق بعلاقات إبستين مع شخصيات نافذة، وهو ما قد يشكل تحديًا أخلاقيًا وقانونيًا لإدارة ترمب، ويخلق بيئة مناسبة للضغط السياسي أو الإعلامي. 3. المخاطر على الرئيس ترمب والحزب الجمهوري تكمن المخاطر في نقطتين رئيسيتين: سياسيًا: إمكانية استخدام الوثائق للتشكيك في نزاهة ترمب أو تحجيم تأثيره داخل الحزب الجمهوري، ما قد يعيق أي خطوات انتخابية مستقبلية أو سياسات داخلية وخارجية. استراتيجيًا: إمكانية أن تُستغل هذه الوثائق لتوجيه ترمب نحو سياسات محددة تخدم مصالح إسرائيل، خاصة في ملفات الشرق الأوسط الحيوية، بما في ذلك دعم الاستيطان، أو تحجيم الدور الفلسطيني، أو تسهيل سياسات أمنية وإقليمية تخدم المصالح الإسرائيلية دون اعتبار للموازين الدولية. استنتاجات أولية القضية تكشف عن بعد استخباراتي وإعلامي يمكن أن يستخدم كورقة ضغط سياسية، لكن تظل معظم المزاعم غير مؤكدة رسميًا. إسرائيل، رغم نفيها الرسمي، قد تستفيد من هذا الملف في التأثير على صناع القرار الأمريكيين بطريقة غير مباشرة. على الرئيس ترمب والحزب الجمهوري الحذر من أي استغلال محتمل للملفات المتعلقة بإبستين، خصوصًا في ظل توظيف وسائل الإعلام لتصعيد التأثير السياسي والإعلامي. ما يُظهره الملف هو أن الولايات المتحدة قد تواجه تحديات مستمرة في حماية صانعي القرار من أي محاولات ابتزاز أو تأثير استخباراتي خارجي، وهو ما يعكس هشاشة العلاقة بين السياسة والامن القومي في ملفات حساسة. خلاصة ملف جيفري إبستين، والمذكرات الأخيرة، يفتح نافذة على التداخل بين السياسة، الاستخبارات، والعلاقات الدولية، مع تحذير صريح من إمكانية استخدامه كورقة ضغط على أعلى المستويات الأمريكية. وبالرغم من غياب الأدلة الرسمية التي تؤكد علاقة إبستين بالموساد، فإن الشائعات والتحليلات تكشف عن بيئة سياسية شديدة التعقيد، حيث يمكن لمعلومات جزئية أن تتحول إلى أداة ضغط استراتيجية تخدم مصالح جهات محددة في واشنطن وخارجها. يبقى السيناريو الأكثر واقعية أن إسرائيل تمتلك القدرة على الاستفادة من هذه الملفات إعلاميًا وسياسيًا، حتى من دون وجود دليل رسمي على علاقة استخباراتية مباشرة، ما يجعلها نموذجًا لتحالف المصالح الاستراتيجية الدقيقة التي تحدد موازين القوى في السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية.
