أعلنت صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ السويسرية، عن الأسباب التي تدفع إسرائيل لرفض وجود قوات سلام تركية في غزة، ضمن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار، والتي تتضمن نشر قوة دولية في القطاع.
علاقات متدهورة في ظل حرب غزة
وبحسب ما ذكرته "الصحيفة"، فإن العلاقات بين تركيا وإسرائيل قد تدهورت بشكل حاد منذ اندلاع حرب غزة، وهو ما انعكس في الرفض الإسرائيلي القاطع لمشاركة أنقرة في أي قوة حفظ سلام.
اتهامات وقرارات قضائية تزيد التوتر
وأشارت "الصحيفة"، إلى أن وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر برر هذا الرفض بما وصفه بـ"العداء الطويل الأمد" من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه إسرائيل.
كما زادت التوترات بعد إصدار محكمة تركية مذكرة توقيف بحق نتنياهو ومرافقيه بتهمة ارتكاب إبادة جماعية، لتعلن الحكومة الإسرائيلية: "لن تكون هناك قوات برية تركية – لا الآن ولا في المستقبل".
وأكدت "الصحيفة"، أن حكومة نتنياهو تعارض أي دور تركي في جهود حل النزاع منذ بداية حرب غزة، بسبب النفوذ التركي المتنامي في المنطقة وعلاقة أنقرة الوثيقة بحركة حماس، التي تعتبرها تركيا حركة تحرر وتستضيف قادتها باستمرار.
وفي السياق ذاته، ترى "الصحيفة"، أن سعي أردوغان لتقديم نفسه كـ"حامٍ للشعب الفلسطيني" أضعف فرصه كوسيط محايد، رغم أنه تمكن في بعض الأحيان من لعب دور غير مباشر، كما حدث عندما استعان به ترامب لحثّ حماس على قبول وقف إطلاق النار.
أزمات متتالية تكشف عمق الخلاف
ولفتت "الصحيفة"، إلى أن تعقيدات العلاقة بين أنقرة وتل أبيب ظهرت مجددًا خلال قمة السلام في شرم الشيخ؛ فبعدما أكد نتنياهو مشاركته، أعلن تراجعه لاحقًا بحجة "تعارض المواعيد".
ومن جهتها، تقول وكالة "الأناضول" التركية، إن أردوغان طلب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلغاء مشاركة نتنياهو، بينما جابت طائرته البحر الأحمر حتى مغادرة الوفد الإسرائيلي، أما الرئاسة التركية فأكدت أن أردوغان لا يحضر اجتماعات يوجد فيها نتنياهو.
تاريخ من التقارب والقطيعة
وكشفت "الصحيفة"، عن مسار العلاقات بين البلدين، منذ اعتراف تركيا المبكر بإسرائيل عام 1949، ومرحلة الشراكة الاستراتيجية، ثم التدهور بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2003، وتقاربه الفكري مع حركة حماس.
وتصاعد التوتر بشدة خلال حرب غزة 2008-2009، حين وصف أردوغان الهجوم الإسرائيلي بأنه "جريمة ضد الإنسانية".
كما وصل التوتر إلى ذروته في عام 2010 بعد مقتل عشرة ناشطين أتراك على سفينة "مرمرة الزرقاء" التي حاولت كسر حصار غزة، ما أدى إلى قطيعة دامت أكثر من عشر سنوات، قبل استئناف العلاقات عام 2022.
وفي سبتمبر 2023، ظهر أردوغان ونتنياهو بصورة ودية بسبب ربطة عنق متطابقة اللون، مما أوحى بتحسن العلاقات، إلا أن هذا المشهد سرعان ما انهار بعد هجوم 7 أكتوبر 2023.
اتهامات بالإبادة وتهديدات متبادلة
وفي ظل الهجوم، عاد أردوغان يتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، وقارن نتنياهو بهتلر، ولوح بتدخل عسكري، فيما ردت تل أبيب باقتراح طرد تركيا من الناتو.
كما تصاعد التوتر خارج غزة، مع خلافات حول سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، والتنافس على النفوذ في شرق المتوسط، ثم جاءت إجراءات قاسية: سحب السفراء، تعليق الرحلات، وإغلاق المجال الجوي التركي أمام إسرائيل، وصولًا إلى تجميد كامل للعلاقات التجارية في أغسطس وفق إعلان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان.
أرقام تكشف مفارقات لافتة
وفي سياق متصل، أشارت "الصحيفة"، إلى أن الأرقام تحمل قصة مختلفة. فرغم إعلان تركيا وقف التبادل التجاري في مايو 2024 احتجاجًا على هجوم غزة، تكشف بيانات الأمم المتحدة أن صادرات تركيا لإسرائيل بلغت 2.9 مليار دولار عام 2024، مقارنة بـ5.3 مليارات في العام السابق، ما يجعل تركيا رغم الانخفاض من أبرز المصدرين لإسرائيل.
كما تنقل "الصحيفة"، عن غاليا ليندنشتراوس من معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب أن التجار استطاعوا الالتفاف على الحظر عبر دول وسيطة أو تصنيف الشحنات على أنها موجهة إلى "فلسطين"، معتبرة أن هذا الحظر يهدف لتهدئة الرأي العام التركي أكثر من كونه حظرًا فعليًا.
وتختتم "الصحيفة"، بأن التصعيد بين البلدين يبدو مستبعدًا حاليًا، إذ لعبت تركيا دورًا تفاوضيًا مهمًا في اتفاق وقف إطلاق النار، وتسعى للتأثير على ترتيبات ما بعد الحرب، لكن وفق ليندنشتراوس، فإن أنقرة لا تقدر بشكل كافي حجم النفوذ الإسرائيلي في واشنطن.
