بقلم/ رامي الغف *
مع رحيل عام 2025 ربما يجد المرء نفسه أمام تساؤل واستحقاق لحصاد العام السابق وهل سار فيه وطننا قدما نحو ما كان يبغيه ولا يزال من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، أم أن المشهد لا يزال متكلساً عند حدود الشعارات لا يبارحها إلى تحقيق المنجزات التي تلقى قبولاً حقيقياً عند شعبنا التي طال بها الانتظار؟ السؤال في حد ذاته مركب وليس بسيطاً، فعلام نتساءل على وجه التحديد؟ هل عن رفعة شأن المواطن الفلسطيني في وطنه، وعلو ثمنه في عيون العالم، وارتفاع قدره لدى الدول الشقيقة والصديقة؟ أم نسأل عن أحوال المواطنين في قطاع غزة بعدما شنت عليه الحرب والإبادة والموت والذي طال البشر والشجر والحجر، أم نتساءل عن ما أطلق عليه المصالحة الوطنية والتي تكاد تمر عليها اكثر من خمس عشرة عاماً بهذه الأيام دون حصاد حقيقي لاتمامها بعد حدوث الانقسام البغيض قبل عشرون عاماً، اللهم إلا المزيد من الشرذمات والاتهامات والمناكفات من هنا وهناك؟ لعله أكثر الأعوام وضوحاً في ما رتبه من متغيرات وما سيترتب عليه من نتائج، فعام 2025 كان فاجعة فلسطينية كبيرة وذلك باحتلال نصف قطاع غزة وتدمير كل البيوت والمساجد والمصانع والشركات والمؤسسات في القطاع الحبيب، أم نتحدث عن وضع الخيام وأماكن اللجوء والنزوح وما يعانيه المواطن من ظروف صعبة للغاية وبكل ما في الكلمة من معنى وبعد ما ترك وحيداً وخذل من الجميع. إنه عام التعذيب الشعبي والمتمثل بالنزوج والتشريد هنا وهناك، والذي اتخذ شكلا درامياً سيتجاوز بمئات المرات أي ملحمة قد تكتب عن عام بلغ فيه الضجيج أقصاه، ووصلت الحرائق فيه إلى النفوس قبل أن تبلغ أي مكان آخر، وأن هذه النفوس التي تستعيد اليوم أنفاسها ستجد نفسها بعد مدة ليست بقصيرة أن ما دفعته من أجل غدها وما وعدت به لم يحصل وقد لا يحصل، حيث جميع العوامل تؤكد المسيرة السائرة نحو غايات مختلفة، لأن من خطط وموَّل أراد شيئاً آخر لشعبنا المسكين الذي صدق الدعوات، بعدما اخترقها الإعلام مثل رصاصة مرت قرب الرأس لم تقتل صاحبه لكنها خلخلته. يغص المشهد الفلسطيني بألوان الدم والدخان، وبالقتل والحرائق وبيارق الفرق المتناحرة وتضج الأنفس بالشكوى من أشكال الظلم والقهر والجوع والفقر والبطالة والجرائم والرعب والموت والدمار والخراب والبؤس والشقاء، ومن انحطاط أخذ يتفشى ويتفتق عن مكائد وسموم في سياسات وكتابات ووسائل إعلام بلغ بعضُها درجات من التحلل والانحلال والتهافت والتهالك على الصغائر والمهالك. واليوم، فالخراب والدمار الذي ينتشر في وطننا يوضح أن ما شهده ويشهده يهدف إلى تهديم المجتمع الفلسطيني وتفكيك روابطه، والعودة به إلى الدرك الأسفل من مراحل تطور البشرية، ومن ثم تكريس الاستباحة الأمريكية والإسرائيلية، سياسياً واقتصادياً وامنيا. بمعنى هل وطننا يسير إلى تقسيم جديد سيمتد ويتبلور بشكل ما ولو جزئياً في الأعوام القادمة؟ مضى عام 2025، وبقي لنا ما نحن فيه، وما علينا أن نتجرع صابه ونعاني عذابه، نسوّغ حلوه ومره، فمر حلو بذوق فريق وحلوه مر بذوق آخر، ومصائب قوم عند قوم فوائد؟! لكن ماذا عن عام 2026؟ سيستقبل ابناء شعبنا الفلسطيني كسائر شعوب العالم العام الجديد، وفيه كما في كل عام تتجدد الآمال والطموحات بحياة افضل ومستقبل مزهر، فقد شهد العام المنصرم الكثير من الاحداث والمتغيرات في فلسطين، وكان عاماً علقت عليه آمال كبيرة في أن ينجز الكثير على صعيد أولا إنهاء الانقسام الأسود مرورا بإعادة ما دمره الإحتلال الصهيوني وتوفير الخدمات الاساسية في حياة ابناء شعبنا كفتح المعابر وتوفير الكهرباء على مدار الساعة والمياه الصالحة للشرب في المناطق والمحافظات الفلسطينية، علاوة على بناء المشافي وتوفير الأدوية والعقاقير الطبية للمرضى وخاصة مرضة السرطان والفشل الكلوي، والقضاء على الفقر والبطالة وتحسين المستوى المعيشي ولو بالحد الأدنى وإعادة الحياة الكريمة للعمال والطلاب والأكاديميين والخريجين والمعاقين والفلاحين والصيادين والحرفيين وللصناعيين وللكثير من المنشآت السياحية والصناعية والمالية وتدوير عجلة الاقتصاد وغير ذلك خصوصاً بعد تشكيل الحكومة برئاسة الدكتور محمد مصطفى والتحسن النسبي في عودة الاستقرار الى مناطق عدة في وطننا فلسطين. ولكن المواطن الفلسطيني وهذا ما تجمع عليه العديد من التقارير والشواهد سوف ينتقل الى عام 2026 وهو ما زال ينوء بالكثير من الاعباء والصعوبات التي أثقلت كاهله، حتى بات غير قادر على حملها، ومن هنا نرى ونسمع ونشهد صرخات الاحتجاج والشكوى والتذمر. ان المواطن الذي قبل بالقليل، وتحمل الكثير املأ في انفراج قريب بات يدرك حد اليقين بأن الوعود والشعارات التي أغدقها المسؤولين، لم تكن إلا من باب الدعاية والكسب على حساب استمرار جوع وفقر ومرض آلاف المواطنين واستمرار معاناتهم، ويتزايد لدى الكثير الإدراك بأن بقاء الحال من المحال لذا تتصاعد الدعوات الى التغيير والمطالبة بهجر السياسات والمواقف المتشنجة بين هذا وذاك والتي قادتنا الى ما نحن عليه، سياسة المحاصصات الفصائلية والحزبية المقيتة. عشرون عاما مضت على وجود الانقسام بآلامه وهمومه ومغامراته الطائشة واستهتاره بالوطن وشعبه رغم العديد من الخطوات والمبادرات الداعية من البعض في الوطن الفلسطيني لإنهائه فورا ولكن جحافل المحاصصات والقرابات الحزبية والسياسية زحفت عليه وأحالت إنهاءه إلى أحلام صعبة التحقيق، فأزمة كالكهرباء لم تجد لها أية حلول جادة رغم التبرعات والهبات والمنح الدولية والعربية والتي صرفت عليها لديمومتها واستمرارها، ناهيك عن تصريحات المسئولين الوردية التي تتبخر مع بداية كل شتاء وصيف، حيث ما زلنا نعاني من عدم وجود حل صحيح واستراتيجي لهذه الازمة التي باتت تشكل كابوسا لنا نحن الجماهير حيث ما تزال الازمة على حالها لم تتحرك بوصة واحدة حيث لم نشاهد أحد من أصحاب القرار نجحوا في إنهاء هذه الأزمة الكهربائية حتى وقتنا هذا، بل يقال بأننا سنستورد الكهرباء من دول صديقة قريبا كما نستورد منهم الملابس والشكولاته والأحذية الجلدية، أيضا وكأننا وطن معدم عقم الأموال والأفكار والعقول لحل الازمات رغم وجود الحلول وتوفرها، لكن الأطماع وغياب الرؤى ما زالتا يفسحان المجال أمام البعض من الانتهازيين لديمومة هذه الازمة وإطالة امد معاناتنا وهمومنا. لا توجد في الوطن سياسة تخطيط استراتيجي تحدد الأسبقيات والأموال للمشاريع والضرورية ولا يوجد برنامج وطني للحكومة لإنشاء شركات او تأسيس جهد وطني يعمل على إقامة هذه المشاريع الضرورية وبطاقم وخبرات فلسطينية كما هو معمول به في اغلب دول العالم، بدلا من تكدس العاملين في المصانع والشركات والمؤسسات من دون عمل حقيقي وإضاعة لجهودهم وخبراتهم، فكل ما نجده اليوم مجرد شعارات براقة ورنانة ترفع من دون أي فعل حقيقي او تغيير للواقع الذي لا يرغب أي مواطن فلسطيني باستمراره، فقد أوشك الصبر الفلسطيني على النفاذ وعلى أصحاب القرار والمسئولين تدارك الأمر وتجنب حصول سيناريو مفاجئ ليس في حسبان احد. المواطن ومنذ مدة طويلة وهو يطالب ويريد من حكومته، تنفيذ الوعود التي وعدوهم بها الوزراء وهي وعود كثيرة لا تحصى ومنها تحقيق الأمن والاستقرار وبناء وتعمير الوطن وتوفير فرص عمل للخريجين والعاطلين عن العمل في وطن لديه جيش من العاطلين عن العمل وتوفير الخدمات وغيرها من الوعود التي لم تتحقق فبقت حبرا على الورق، والمواطن المسكين ما زال يحلم بها بأنها ستتحقق أحلام بسيطة جدا ومطالب سهلة المنال تستطيع أية حكومة من توفيرها للمواطنين في حال وجدنا الأشخاص والمسئولين المناسبين في الأماكن المناسبة، ليشغل محله الطبيعي الذي يتلاءم معه لا ان يفصل على مقاسه، ولكن مع الأسف الشديد ان ما يجري في الوطن لا يمكن ان نعول عليه في بناء دوله تحقق طموح واحتياجات المواطن فالبناء هو بناء حكومة تتغير كل أربع سنوات لتبتدئ الحكومة اللاحقة من جديد (من الصفر) لا ان تكمل من حيث أنتهى السابقين لهم، ونبقى على هذا الحال نراوح في أماكننا والوقت يمر بسرعة ولا ينتظر أحد فبدلا من ان نتطور سوف نعود الى الخلف والاسوء من ذلك كله هو انهيار المنظومة الاجتماعية بالكامل وتزعزع الثقة ما بين الشعب وحكوماته في ما بينها، فلم يعد بمقدور اصحاب القرار من إقناع الشعب بأنهم خدم لمصالحهم، أو زرع الثقة بينهم وبين الجماهير لان الجماهير لم تعد تتحفظ عن تصرفات احد بل أصبحت تشكل على أفعال الجميع. نحن بحاجة الى إعادة النظر بمسيرة بناء الثقة والمصداقية ما بين الجماهير والحكومة والمسئولين، وان تعرف الجماهير بان الحكومات زائلة والجماهير والوطن باقيين ما بقت الأمم، وما الحكومات الا خدام لجماهير هي من وافقت عليهم واختارهم وقادره على استبدالهم وفي أية لحظة، فخدمة الجماهير هو شرف لكل مسئول وقائد وصاحب قرار، وليس منة منهم فعليهم تلمس معاناتهم الذي هو اولا وأخيرا واجب عليهم، فدروس التاريخ كثيرة وحاضرة وعلى الجميع الاستفادة منها قبل ان ينفجر البركان في أية لحظة. إن الظروف البالغة الخطورة والحساسية والعصيبة جدا، التي يمر بها الوطن الفلسطيني اليوم يلزم فيها على جميع شعبنا الفلسطيني بحكومته وبقواه وفصائله واحزابه وشخصياته الوطنية والإسلامية، العمل يدا بيد للم الشمل الفلسطيني وتوحيد الصف والموقف والكلمة والإرادة قبل أن يعود وتمزقه رياح الفتنة والنفاق والخيانة والانقسام العاصفة به، وقبل أن يتمكن الاحتلال والإرهاب من تقطيع الوطن وتمزيقه ودفع أبناء الوطن الفلسطيني الواحد نحو حرب أهلية لا تحمد عقباها، فقد بلغ الأمر في الشارع الفلسطيني من الخطورة ما يستلزم إجراء عملية قيصرية سريعة من قبل عقلاء القوم وكبار قادته السياسيين والوطنيين والأحرار والشخصيات المجتمعية والاعتبارية، وخاصة رجال الدين المسلمين والمسيحيين بوطننا الفلسطيني للحد من حالات الانقسام الذي قوض كل مقومات الحياة في فلسطين. إن الجماهير تريد افعالا من حكومتها ومن كافة اصحاب القرار ولا ترغب بالخطابات والشعارات البراقة والرنانة، فهناك الكثير من الأطفال يجيدون إلقاء الخطب أفضل من الكثير من القادة والسياسيين. نعم نحن نأمل أن تكون هناك خطة حكومية لتخفيف الأزمات الناتجة عن عدة عوامل اغلبها تتعلق بالجانبين الخدمي والمعيشي، والتي تطالب بها الجماهير والتي لها كل الحق بكل حرية والمطالبة السلمية بحقوقها المشروعة التي أقرتها لها كل القوانين والدساتير في دولة فلسطين، كما أننا نهيب بالحكومة أن لا تقفز فوق المشاكل من دون دراسة معمقة، لان المراحل الصعبة التي يمر بها الوطن والمنطقة لا ترحم سياسة الارتجال والمحاصصة. * آخر الكلام: لندخل جميعا قوى وفصائل وأحزاب ومن كافة الأطياف والشرائح والاتجاهات، بروح القيادة والإرادة السياسية الجادة في إنهاء الخلاف والدافع الوطني الذي يؤسس لحكومة وحده وطنية والتفاهم والحكم الرشيد القادر على النهوض بكافة الملفات امام التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه وطننا فلسطين في مرحلته الجديدة وعامه الجديد، وبلا شروط أو أحاديث استباقية تتنبأ للحوار دون أدنى سبب الفشل او العراقيل. * إعلامي وباحث سياسي
